للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والناس هاهنا أربعة أقسام: فخيارهم من أوتي العلم والحلم (١). وشرارهم من عَدِمهما. الثالث: من أوتي علمًا بلا حلم. الرابع: عكسه.

فالحلم زينة العلم وبهاؤه وجماله. وضدُّه: الطيش والعجلة والحدَّة والتسرُّع وعدم الثبات. فالحليم لا يستفزُّه البَدَوات (٢)، ولا يستخفُّه الذين لا يعلمون، ولا يُقَلقله (٣) أهلُ الطيش والخفة والجهل. بل هو وقور ثابت ذو أناة، يملك نفسه عند ورود أوائل الأمور عليه، ولا تملكه أوائلها. وملاحظته للعواقب تمنعه من أن تستخفَّه دواعي الغضب والشهوة. فبالعلم تنكشف له مواقع الخير والشرّ والصلاح والفساد، [٢٠٠/ب] وبالحلم يتمكَّن من تثبيت نفسه عند الخير، فيؤثره، ويصبر عليه؛ وعند الشرِّ فيصبر عنه. فالعلم يعرِّفه رشدَه، والحلم يثبِّته عليه.

وإذا شئت أن ترى بصيرًا بالخير والشرِّ لا صبر له على هذا ولا عن هذا رأيته. وإذا شئت أن ترى صابرًا على المشاقِّ لا بصيرةَ له رأيته. وإذا شئت أن ترى من لا صبر له ولا بصيرة رأيته. وإذا شئت أن ترى بصيرًا صابرًا لم تكد. فإذا رأيتَه فقد رأيتَ إمامَ هدًى حقًّا، فاستمسِكْ بغَرْزه!

والوقار والسكينة ثمرة الحلم ونتيجته. ولشدة الحاجة إلى السكينة وحقيقتها وتفاصيلها وأقسامها، نشير إلى ذلك إشارةً بحسب علومنا القاصرة، وأذهاننا الجامدة، وعباراتنا الناقصة. ولكن نحن أبناء الزمان، والناسُ بزمانهم أشبه منهم بآبائهم، ولكلِّ زمان دولة ورجال.


(١) في النسخ المطبوعة: «الحلم والعلم».
(٢) يعني الآراء المختلفة التي تظهر له.
(٣) أي لا يحرِّكه ويزعجه. وفي النسخ المطبوعة: «يقلقه».