للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأدلته، فإن مبناها على أنَّ حكمَ الشيء حكمُ مثله، وعلى أنه لا يسوِّي (١) بين المختلفين، فلا يجعل الأبرار كالفجار، ولا المؤمنين كالكفار، ولا من أطاعه كمن عصاه، ولا العالم كالجاهل. وعلى هذا مبنى الجزاء، فهو حكمه الكوني والديني، وجزاؤه الذي هو ثوابه وعقابه. وبذلك حصل الاعتبار، ولأجله ضُربت الأمثال، وقُصَّت علينا أخبار الأنبياء وأممهم.

ويكفي في بطلان هذا المذهب المتروك الذي هو من أفسَدِ مذاهبِ العالم أنه يتضمن لمساواة (٢) ذات جبريل لذات إبليس، وذات الأنبياء لذات أعدائهم، ومكان البيت العتيق لمكان (٣) الحُشوش (٤) وبيوت الشياطين، وأنه لا فرق بين هذه الذوات في الحقيقة. وإنما خُصَّت (٥) هذه الذات عن هذه الذات بما خُصَّت به لمحض المشيئة المرجِّحة مِثلًا على مِثلٍ بلا مُوجِب. بل قالوا ذلك في جميع الأجسام، وأنها متماثلة. فجسمُ المسك عندهم مساوٍ لجسم البول والعَذِرة، وإنما امتاز عنه بصفة عرضية، وجسمُ الثلج عندهم مساوٍ لجسم النار في الحقيقة. وهذا مما خرجوا به عن صريح المعقول، وكابروا فيه الحِسَّ، وخالفهم فيه جمهورُ العقلاء من أهل الملل والنحل. وما سوَّى الله بين جسم السماء وجسم الأرض، ولا بين جسم النار وجسم الماء، ولا بين جسم الهواء وجسم الحجر. وليس مع المنازعين في


(١) في النسخ المطبوعة: «ألا يسوي».
(٢) كذا في جميع النسخ، وانظر ما يأتي في (٥/ ٣٦): «يطابق لمخبره».
(٣) في النسخ المطبوعة: «بمكان»، تصحيف.
(٤) جمع «الحُشِّ»، والمقصود به موضع قضاء الحاجة.
(٥) في النسخ الخطية بعده زيادة «به»، وهي سهو.