للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا تأمل العقلُ (١) مقدار ما أوجبه الشارع في الزكاة (٢) مما لا يضرُّ المُخرِجَ فقدُه، وينفع الفقيرَ أخذُه= رآه (٣) قد راعى فيه حالَ صاحب المال وجانبَه حقَّ الرعاية، ونفعَ الآخذِ به (٤). وقصَد إلى كلِّ جنس من أجناس الأموال، فأوجب الزكاة في أعلاه وأشرفه. فأوجب زكاةَ العين في الذهب والورِق دون الحديد والرصاص والنحاس ونحوها، وأوجب زكاة السائمة في الإبل والبقر والغنم، دون الخيل والبغال والحمير، ودون ما يقِلُّ اقتناؤه كالصيود على اختلاف أنواعها، ودون الطير كلِّه. وأوجب زكاة الخارج من الأرض في أشرفه، وهو الحبوب والثمار، دون البقول والفواكه والمقاثئ والمباطخ والأنوار.

وغيرُ خافٍ تميُّز ما أوجب فيه الزكاةَ عمَّا لم يوجبها فيه، في [٣٠٤/أ] جنسه، ووصفه، ونفعه، وشدة الحاجة إليه، وكثرة وجوده؛ وأنه جارٍ مجرى الأموال لما عداه من أجناس الأموال، بحيث لو فُقِد لأضرَّ فقدُه بالناس، وتعطَّل عليهم كثيرٌ من مصالحهم؛ بخلاف ما لم يوجب فيه الزكاةَ فإنه جارٍ مجرى الفضلات والتَّتِمَّات التي لو فُقدت لم يعظُم الضرر بفقدها.

وكذلك راعى في المستحقين لها أمرَين مهمَّين. أحدهما: حاجة الآخذ. والثاني: نفعه. فجعل المستحقين لها نوعين: نوعًا يأخذ لحاجته، ونوعًا يأخذ لنفعه. وحرَّمها على من عداهما.


(١) ع: «العاقل»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) زيد بعده في النسخ المطبوعة: «وجده» ليكون جواب «إذا». وظهر لي أن جوابه فيما يأتي: «رآه».
(٣) في النسخ الخطية: «ورآه»، وأرى الواو مقحمة.
(٤) ح، ف: «للأخذ به». وأثبت في المطبوع: «آخذيه».