للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عدم الشاهدين المسلمين. وقد حكَم بها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - والصحابةُ بعده، ولم يجئ بعدها ما ينسَخها، فإنَّ المائدة من آخر القرآن نزولًا، وليس فيها منسوخ، وليس لهذه الآية معارض البتَّة.

ولا يصح أن يكون المراد بقوله: {مِنْ غَيْرِكُمْ}: من غير قبيلتكم، فإن الله سبحانه خاطب بها المؤمنين كافّةً بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ [٥١/ب] اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: ١٠٦]، ولم يخاطِب بذلك قبيلةً معينةً حتى يكون قوله: {مِنْ غَيْرِكُمْ} أيتها القبيلة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفهم هذا من الآية، بل إنما فهم منها ما هي صريحة فيه؛ وكذلك أصحابه من بعده. وهو سبحانه ذكَر ما يُحفَظ به الحقوق من الشهود، ولم يذكر أنَّ الحكام لا يحكُمون (١) إلا بذلك. فليس في القرآن نفيُ الحكم بشاهد ويمين، ولا بالنكول، ولا باليمين المردودة، ولا بأيمان القَسامة، ولا بأيمان اللِّعان، وغير ذلك؛ مما يبيِّن الحقَّ، ويُظهِره، ويدلُّ عليه (٢).

وقد اتفق (٣) المسلمون على أنه يُقبَل في الأموال رجل وامرأتان. وكذلك توابعُها من البيع، والأجل فيه، والخِيار فيه، والرَّهن، والوصية للمعيَّن، وهبته، والوقف عليه، وضمان المال، وإتلافه، ودعوى رِقِّ مجهول


(١) ت: "أن الحاكم لا يحكم".
(٢) وانظر في مسألة قبول شهادة الكفار على المسلمين في السفر: "الطرق الحكمية" (١/ ٤٨٥ - ٥١٤).
(٣) في المطبوع: "وقد أجمع".