للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حيث لا يوجد منه بدٌّ، ولم يُلزموا أحدًا العملَ [٣٦/ب] به، ولم يحرِّموا مخالفته، ولا جعلوا مخالِفَه مخالِفًا للدين؛ بل غايتُه أنهم خَيَّروا بين قبوله وردِّه. فهو بمنزلة ما أبيح للمضطرِّ من الطعام والشراب الذي يحرُم عند عدم الضرورة إليه، كما قال الإمام أحمد: سألتُ الشافعيَّ عن القياس، فقال لي: عند الضرورة (١).

وكان استعمالهم لهذا النوع بقدر الضرورة: لم يُفْرطوا فيه ويفرِّعوه ويولِّدوه ويوسِّعوه، كما صنع المتأخرون بحيث اعتاضوا به عن النصوص والآثار، وكان أسهل عليهم من حفظها؛ كما يوجد كثيرٌ من الناس يضبط قواعد للإفتاء (٢)، لصعوبة النقل عليه وتعسُّر حفظه. فلم يتعدَّوا في استعماله قدرَ الضرورة، ولم يبغُوا العدولَ (٣) إليه مع تمكُّنهم من النصوص والآثار؛ كما قال تعالى في المضطرِّ إلى الطعام المحرَّم: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٧٣] فالباغي: الذي يبتغي الميتةَ مع قدرته على التوصُّل إلى الذَّكيِّ (٤)! والعادي: الذي يتعدَّى قدرَ الحاجة بأكلها.


(١) نقله المصنف من قبل من "كتاب الخلال". وسينقله مرة أخرى من "المدخل" للبيهقي (٢٤٨). وقد رواه في "معرفة السنن" (١/ ١٨٧) أيضًا، وسنده صحيح.
(٢) س، ت، ع: "الإفتاء"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٣) في جميع النسخ: "بالعدول" ولكن المثبت من النسخ المطبوعة هو الموافق لما يأتي من تفسير الآية عند المؤلف.
(٤) كذا في جميع النسخ، وسيأتي مثله. وفي النسخ المطبوعة: "المذكَّى"، وهما بمعنًى.