للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسكت عن ذكرها إن تيقَّن صحتها، وإلا توقَّف في قبولها؛ فكثيرًا ما يُحكَى عن الأئمة ما لا حقيقة له، وكثير من المسائل يُخرِجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعه مع أن ذلك الإمام لو رأى أنها تُفضِي إلى ذلك لما التزمها.

وأيضًا فلازم المذهب ليس بمذهب، وإن كان لازم النص حقًّا (١)؛ لأن الشارع لا يجوز عليه التناقض، فلازم قوله حق، وأما من عداه فلا يمتنع عليه أن يقول الشيء ويَخفى عليه لازمُه، ولو علم أن هذا لازمه لما قاله؛ فلا يجوز أن يقال: هذا مذهبه، ويقول ما لم يقله، وكلُّ من له علم بالشريعة وقدرها وبفضل الأئمة ومقاديرهم وعلمهم وورعهم ونصيحتهم للدين تيقَّن أنهم لو شاهدوا أمر هذه الحيل وما أفضَتْ إليه من التلاعب بالدين لقطعوا بتحريمها.

ومما يوضح ذلك أن الذين أفتَوا من العلماء ببعض مسائل الحيل وأخذوا ذلك من بعض قواعدهم لو بلغهم ما جاء في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لرجعوا عن ذلك يقينًا، فإنهم كانوا في غاية الإنصاف، وكان أحدهم يرجع عن رأيه بدون ذلك، وقد صرَّح بذلك غير واحد منهم وإن كانوا كلهم مجمعين على ذلك. قال الشافعي (٢): إذا صحَّ الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاضربوا بقولي الحائط، وهذا وإن كان لسان الشافعي فإنه لسان الجماعة كلهم، ومن الأصول التي اتفق عليها الأئمة أن أقوال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنتشرة لا تُترك إلا بمثلها.

يوضِّح ذلك أن القول بتحريم الحيل قطعي ليس من مسالك الاجتهاد؛


(١) ك: «حق».
(٢) سبق توثيقه.