للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها، أو من مقتضى كماله وكمال أسمائه وصفاته، وأنه يمتنع منه إرادةُ ما هو معلوم الفساد وتركُ إرادة ما هو متيقَّن مصلحته، وأنه يُستدَلُّ على إرادته للنظير بإرادة نظيره ومثله ومُشْبِهه (١)، وعلى كراهة الشيء بكراهة مثله ونظيره ومُشْبِهه= فيقطع العارفُ به وبحكمته وأوصافه على أنه يريد هذا ويكره هذا، ويُحِبّ هذا ويُبغض هذا.

وأنت تجد من له اعتناء شديد بمذهب رجل وأقواله [١٣٠/ب] كيف يفهم مرادَه من تصرُّفه ومذاهبه؟ ويُخبر عنه بأنه يفتي بكذا ويقوله، وأنه لا يقول بكذا ولا يذهب إليه، لما لا يوجد في كلامه صريحًا. وجميع أتباع الأئمة مع أئمتهم بهذه المثابة. وهذا أمر يعُمُّ أهلَ الحق والباطل، لا يمكن دفعُه. فاللفظ الخاص قد يُنقل (٢) إلى معنى العموم بالإرادة، والعامُّ قد يُنقَل إلى معنى (٣) الخصوص بالإرادة. فإذا دُعي إلى غداء، فقال: والله لا أتغدَّى؛ أو قيل له: "نم" فقال: والله لا أنام؛ أو: " اشرب هذا الماء"، فقال: والله لا أشرب= فهذه كلُّها ألفاظ عامَّة نُقِلت إلى معنى الخصوص بإرادة المتكلِّم التي يقطع السامعُ عند سماعها بأنه لم يُرد النفي العام إلى آخر العمر.

والألفاظ ليست تعبُّديّة، والعارف يقول: ماذا أراد؟ واللفظي يقول: ماذا قال؟ كما كان الذين لا يفقهون إذا خرجوا من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: {مَاذَا قَالَ آنِفًا} [محمد: ١٦]. وقد أنكر الله سبحانه عليهم وعلى أمثالهم بقوله:


(١) في النسخ المطبوعة: "وشبهه".
(٢) ت، ع: "ينتقل" هنا وفيما بعد، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٣) "معنى" ساقط من النسخ المطبوعة.