للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: ٧٨]، فذمَّ من لم يفقه كلامه. والفقه أخصُّ من الفهم، وهو فهمُ مراد المتكلِّم من كلامه. وهذا قدر زائد على مجرَّدِ فهمِ وضعِ اللفظ في اللغة. وبحسب تفاوت مراتب الناس في هذا تفاوتُ (١) مراتبهم في الفقه والعلم.

وقد كان الصحابة يستدلُّون على إذن الرَّبِّ تعالى وإباحته، بإقراره وعدم إنكاره عليهم في زمن الوحي. وهذا استدلال على المراد بغير لفظ، بل بما عُرِف من موجَب أسمائه وصفاته، وأنه لا يُقِرُّ على باطل حتى يبيِّنه.

وكذلك استدلال الصدِّيقة الكبرى أم المؤمنين خديجة [١٣١/أ] بما عرفته من حكمة الربِّ تعالى وكمال أسمائه وصفاته ورحمته أنه لا يُخزي محمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه يصل الرحم، ويحمِل الكَلَّ، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق (٢)؛ وأنَّ من كان بهذه المثابة فإنَّ العزيز الرحيم الذي هو أحكم الحاكمين وإله العالمين لا يخزيه ويسلِّط (٣) عليه الشيطان. وهذا استدلال منها قبل ثبوت النبوة والرسالة، بل استدلال على صحتها وثبوتها في حقِّ مَن هذا شأنه. فهذا معرفة منها بمراد الربِّ تعالى وما يفعله من أسمائه وصفاته وحكمته ورحمته وإحسانه ومجازاته للمحسن (٤) بإحسانه، وأنه لا يُضِيع أجر المحسنين.


(١) في النسخ المطبوعة: "تتفاوت".
(٢) انظر: حديث عائشة في "صحيح البخاري" (٣) ومسلم (١٦٠).
(٣) ف: "ولا يسلِّط"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٤) في النسخ المطبوعة: "المحسن".