للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المزعج، والخوف المقلق، والجوع والظمأ الشديد، وشغلِ القلب المانع من الفهم= فقد قلَّ فقهه وفهمه.

والتعويلُ في الحكم على قصد المتكلم، والألفاظُ لم تُقصَد لنفسها وإنما هي مقصودة للمعاني، والتوصُّلِ بها إلى معرفة مراد المتكلم. ومرادُه يظهر من عموم لفظه تارةً، ومن عموم المعنى الذي قصده تارةً. وقد يكون فهمُه من المعنى أقوى، وقد يكون من اللفظ أقوى، وقد يتقاربان؛ كما إذا قال الدليل لغيره: لا تسلك هذا الطريقَ، فإنَّ فيها مَن يقطع الطريق، أو هي مَعْطَشة مَخُوفة= علِمَ هو وكلُّ سامع أنَّ قصدَه أعمُّ من لفظه، وأنه أراد نهيه عن كلِّ طريق هذا شأنها. فلو خالفه وسلك طريقًا أخرى عطِبَ بها حَسُن لومه، ونُسِب إلى مخالفته ومعصيته. ولو قال الطبيب للعليل وعنده لحم ضأن: لا تأكل الضأن فإنه يزيد في مادة المرض، لَفهِمَ كلُّ عاقل منه أنّ لحم البقر والإبل (١) كذلك، ولو أكل منهما لَعُدَّ مخالفًا، والتحاكم في ذلك إلى فِطَر الناس وعقولهم. ولو منَّ عليه غيرُه بإحسانه، فقال: والله لا أكلتُ له لقمة، ولا شربتُ له ماء؛ يريد خلاصه من منَّته عليه، ثم قبل منه الدراهم والذهب والثياب (٢) والشَّاء (٣) ونحوها لَعدَّه العقلاءُ واقعًا في أعظمِ (٤) ما حلَف عليه، ومرتكبًا لذِروة سنامه. ولو لامه عاقل على كلامه لمن لا يليق به


(١) ف: "الإبل والبقر"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) ع: "والنثار".
(٣) من س، ت، وهامش ح. وفي ع: "الشِّياه"، وهو جمع الشاة كالشَّاء. وفي النسخ المطبوعة: "الشاة".
(٤) ع: "في أعظم حلفٍ". وفي النسخ المطبوعة: "فيما هو أعظم مما"، ولعله تصرُّف من بعضهم، وهو غير ملائم لقوله: "ومرتكبًا لذروة سنامه".