للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُجرِي الأحكام على [٩٥/أ] ظاهر عدالة الشهود وإن كانوا في الباطن شهود زور، والذي سوَّغه أصحاب الحيل بمنزلة الحاكم يعلم أنهم في الباطن شهود زور كَذَبة وأن ما شهدوا به لا حقيقة له ثم يحكم بظاهر عدالتهم.

وهكذا في مسألة العِينة: إنما جوَّز الشافعي أن (١) يبيع السلعة ممن اشتراها منه، جريًا على ظاهر عقود المسلمين وسلامتها من المكر والخداع، ولو قيل للشافعي: «إن المتعاقدين قد تواطآ على ألف بألف ومائتين، وتراوضا على ذلك، وجعلا السِّلعة محللًا للربا» لم يجوِّز ذلك، ولأنكره غاية الإنكار.

ولقد كان الأئمة من أصحاب الشافعي ينكرون على من يَحكي عنه الإفتاء بالحيل، قال الإمام أبو عبد الله ابن بطَّة (٢): سألت أبا بكر الآجرِّي وأنا وهو في منزله بمكة عن هذا الخلع الذي يفتي به الناس، وهو أن يحلف رجل أن لا يفعل شيئًا، ولا بدَّ له من فعله، فيقال له: اخلع زوجتك وافعلْ ما حلفتَ عليه ثم راجِعْها، واليمين بالطلاق ثلاثًا، وقلت له: إن قومًا يفتون الرجل الذي يحلف بأيمان البيعة ويحنث أن لا شيء عليه، ويذكرون أن الشافعي لم يَرَ على من حلف بأيمان البيعة شيئًا. فجعل أبو بكر يَعجب من سؤالي عن هاتين المسألتين في وقت واحد، ثم قال لي (٣): منذ كتبتُ العلم وجلست للكلام فيه وللفتوى (٤) ما أفتيتُ في هاتين المسألتين بحرف، ولقد


(١) ك: «لمن».
(٢) في «إبطال الحيل» (ص ١٣٣ - ١٣٤).
(٣) «لي» ليست في ك.
(٤) ك: «وللتقوى»، تحريف.