الاستقبال أم لا يتوقف عليه بل يجوز تأثيره في الماضي والحال والاستقبال؟
فإن ساعدتمونا على توقُّف تأثيره على الاستقبال، وأنه لا يصح تعلُّقه بماضٍ ولا حال ــ وأنتم بحمد الله على ذلك مساعدون ــ بقي بيننا وبينكم منزلة واحدة، وهي أنه هل لنا سبيلٌ إلى العلم بوقوع هذا الشرط فيترتَّب المشروط عليه عند وقوعه، أم لا سبيلَ لنا إلى ذلك البتةَ فيكون التعليق عليه تعليقًا على ما لم يجعل الله لنا طريقًا إلى العلم به؟ فهاهنا معترك النزال، ودعوة الأبطال، فنَزالِ نَزالِ.
فنقول: من أقبح القبائح وأبينِ الفضائح، التي تشمئزُّ منها قلوب المؤمنين، وتُنكِرها فِطَرُ العالمين، ما تمسَّك به بعضكم، وهذا لفظه بل حروفه، قال (١): لنا أنه علَّق الطلاق بما لا سبيلَ لنا إليه، فوجب أن يقع؛ لأن أصله الصفات المستحيلة، مثل قوله:«أنت طالق إن شاء الحَجر» أو «إن شاء الميّت» أو «إن شاء هذا المجنون المطبق الآن».
فيا لك من قياسٍ ما أفسدَه! وعن طريقِ الصواب ما أبعدَه! وهل يستوي في عقل أو رأي أو نظر أو قياسٍ مشيئةُ الرب جلَّ جلاله ومشيئةُ الحجر [١٥٦/أ] والميّت والمجنون عند أحد من عقلاء الناس؟
وأقبحُ من هذا ــ والله المستعان، وعليه التُّكلان، وعياذًا به من الخذلان، ونَزَغات الشيطان ــ تمسُّكُ بعضهم بقوله: علَّق الطلاق بمشيئة من لا تُعلم مشيئته فلم يصح التعليق، كما لو قال:«أنت طالق إن شاء إبليس».
(١) القائل برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز البخاري (ت ٦١٦) في كتابه «الذخيرة البرهانية» وهو مخطوط، وأصله «المحيط البرهاني»، وليس فيه هذا اللفظ.