للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك، وعياذًا بوجهك الكريم، من هذا الخذلان العظيم. ويا سبحانَ الله! لقد كان لكم في نصرة هذا القول غِنًى عن هذه الشبهة الملعونة، وفي ضروب الأقيسة وأنواع المعاني والإلزامات فسحةٌ ومتَّسَع. ولله شرف نفوس الأئمة الذين رفع الله قدرهم، وشادَ في العالمين ذكْرَهم، حيث يأنَفون لنفوسهم ويرغبون بها عن أمثال هذه الهَذَيانات التي تَسْوَدُّ بها الوجوه قبل الأوراق، وتُحِلُّ بقمرِ الإيمان المُحاقَ.

وعند هذا فنقول: علَّق الطلاق بمشيئة مَن جميع الحوادث مستندة إلى مشيئته، وتُعلَم مشيئته عند وجود كل حادث أنه إنما وقع بمشيئته، فهذا التعليق من أصحِّ التعليقات، فإذا أنشأ المعلّق طلاقًا في المستقبل تبينَّا وجودَ الشرط بإنشائه فوقع؛ فهذا أمر معقول شرعًا وفطرةً وقدرًا، وتعليق مقبول.

يبيِّنه أن قوله: «إن شاء الله» لا يريد به إن شاء الله طلاقًا ماضيًا قطعًا، بل إما أن يريد به هذا الطلاق الذي تلفَّظ به أو طلاقًا مستقبلًا غيره، فلا يصح أن يراد به هذا الملفوظ؛ فإنه لا يصح تعليقه بالشرط؛ إذ الشرط إنما يؤثِّر في الاستقبال، فحقيقة هذا التعليق: أنت طالق إن شاء الله طلاقك في المستقبل، ولو صرَّح بهذا لم تَطْلُق حتى يُنشئ لها طلاقًا آخر.

ونقرِّره بلفظ آخر فنقول: علَّقه بمشيئة مَن له مشيئة صحيحة معتبرة، فهو أولى بالصحة من تعليقه بمشيئة آحاد الناس. يبيِّنه أنه لو علَّقه بمشيئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته لم يقع في الحال، ومعلوم أن ما شاءه الله فقد شاءه رسوله؛ ولو كان التعليق بمشيئة الله موجبًا للوقوع في الحال لكان التعليق بمشيئة رسوله في حياته كذلك، وبهذا يبطُل ما عوَّلتم عليه.