وأما قولكم:«إن الله سبحانه قد شاء الطلاق حين تكلَّم المكلَّف به»، فنعم إذًا؛ لكن شاء الطلاق المُطلَق أو المعلَّق؟ ومعلوم أنه لم يقع منه طلاق مطلق، بل الواقع منه طلاق معلَّق على شرط، فمشيئة الله سبحانه له لا تكون مشيئة للطلاق المطلق، فإذا طلَّقها بعد هذا علمنا أن الشرط قد وُجد، وأن الله قد شاء طلاقها فطلُقتْ. وعند هذا فنقول: لو شاء الله أن يطلِّق العبد لأنطقه بالطلاق مطلقًا من غير تعليق ولا استثناء، فلما أنطقه به مقيدًا بالتعليق والاستثناء علمنا أنه لم يشأ له الطلاق المنجَّز، فإن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
ومما يوضِّح هذا الأمر أن مشيئة اللفظ لا تكون مشيئة للحكم حتى يكون اللفظ صالحًا للحكم، ولهذا لو تلفَّظ المُكرَه أو زائل العقل أو الصبي أو المجنون بالطلاق فقد شاء الله منهم وقوع هذا اللفظ، ولم يشأ وقوع الحكم، فإنه لم [١٥٦/ب] يرتِّب على ألفاظ هؤلاء أحكامَها؛ لعدم إرادتهم لأحكامها، فهكذا المعلِّق طلاقَه بمشيئة الله مريدًا أن لا يقع طلاقه، وإن كان الله قد شاء له التلفُّظ بالطلاق، وهذا في غاية الظهور لمن أنصف.
ويزيده وضوحًا أن المعنى الذي منع الاستثناء عقْدَ اليمين لأجله هو بعينه في الطلاق والعتاق؛ فإنه إذا قال:«والله لأفعلنَّ اليوم كذا إن شاء الله» فقد التزم فعْلَه في اليوم إن شاء الله له ذلك، فإن فَعَلَه فقد علمنا مشيئة الله له، وإن لم يفعله علمنا أن الله لم يشأه؛ إذ لو شاءه لوقع ولا بدَّ، ولا يكفي في وقوع الفعل مشيئة الله للعبد أن يشاءه (١) فقط، فإن العبد قد يشاء الفعل ولا يقع، فإن مشيئته ليست مُوجِبة ولا تلزمه، بل لا بدَّ من مشيئة الله له أن يفعل،