للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنها أنها تتربَّص أبعدَ الأجلين، ثم حصل الاتفاق على انقضائها بوضع الحمل. وأما عدة الوفاة فتجب بالموت، سواء دخل بها أو لم يدخل، كما دلَّ عليه عمومُ القرآن، والسنةُ الصحيحة (١)، واتفاق الناس. فإن الموت لما كان انتهاءَ العقد وانقضاءَه استقرَّت به الأحكام من التوارث، واستحقاق المهر. وليس المقصود بالعدة هاهنا مجرد استبراء الرحم كما ظنه بعض الفقهاء، لوجوبها قبل الدخول، ولحصول الاستبراء بحَيضة واحدة، ولاستواء الصغيرة والآيسة وذوات القروء في مدتها. فلما كان الأمر كذلك قالت طائفة: هي تعبُّد محض لا يُعقَل معناه. وهذا باطل لوجوه:

منها: أنه [٢٨٧/أ] ليس في الشريعة حكم واحد إلا وله معنى وحكمة، يعقله مَن عقَله، ويخفى على من خفي عليه.

ومنها: أن العِدَد ليست من باب العبادات المحضة، فإنها تجب في حقِّ الصغيرة والكبيرة والعاقلة والمجنونة والمسلمة والذمية، ولا تفتقر إلى نية.

ومنها: أن رعاية حقِّ الزوجين والولد والزوج الثاني ظاهر فيها.

فالصواب (٢) أن يقال: هي حريم (٣) لانقضاء النكاح لما كمل. ولهذا تجد فيها رعايةً لحق الزوج وحرمة له. ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من احترامه ورعايةِ حقوقه تحريمُ نسائه بعده. ولما كان (٤) نساؤه في الدنيا هن نساؤه في الآخرة قطعًا، لم يحِلَّ لأحد أن يتزوج بهن بعده؛ بخلاف غيره، فإن هذا ليس


(١) سبق تخريجُ حديثِ الفريعةِ بنتِ مالكٍ الدالِّ على ذلك.
(٢) ت، ع: «والصواب».
(٣) يعني أنها تابعة له. وفي ت: «تحريم»، وفي حاشية ع أنه كان كذا في أصلها.
(٤) في النسخ المطبوعة: «كانت» خلافًا للخطية.