للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم يكفي في ذلك فتاوى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو جعفر النحاس في كتاب «الناسخ والمنسوخ» (١): هو إجماع من الصحابة.

وأما اقتضاء النظر له، فإن المختلعة لم تبق لزوجها عليها عدَّة، وقد ملكت نفسَها، وصارت أحقَّ ببُضْعها. فلها أن تتزوج بعد براءة رحمها، فصارت العدَّة في حقِّها بمجرد براءة الرحم. وقد رأينا الشريعة جاءت في هذا النوع بحيضة واحدة، كما جاءت بذلك في المسبيَّة، والمملوكة بعقد معاوضة أو تبرُّع، والمهاجرة من دار الحرب. ولا ريب أنها جاءت بثلاثة أقراء في الرجعية. والمختلعة فرعٌ متردِّدٌ بين هذين الأصلين، فينبغي إلحاقها بأشبههما بها. فنظرنا، فإذا هي بذوات الحيضة أشبه.

ومما يبيِّن حكمة الشريعة في ذلك أن الشارع قسم النساء إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: المفارقة قبل الدخول، فلا عدَّة عليها ولا رجعة لزوجها فيها.

الثاني: المفارقة بعد الدخول إذا كان لزوجها عليها رجعة، فجعل عدّتها ثلاثة قروء. ولم يذكر سبحانه العدة بثلاثة قروء إلا في هذا القسم، كما هو مصرَّح به في القرآن في قوله تعالى: {فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي} [البقرة: ٢٢٨]. وكذا في سورة الطلاق لما ذكر الاعتداد بالأشهر الثلاثة في حقِّ من إذا [٢٨٩/ب] بلغت أجلَها خُيِّر


(١) (ص ٢٢٩) ولفظه: «ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه». وقد أحال المصنف في «الزاد» (٥/ ٥٩٤) أيضًا على كتاب أبي جعفر.