للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم تعتدُّ من ذلك عدّةً كاملةً= تبيَّن له حينئذ يأسُه بهذا الطلاق الذي هو من أبغض الحلال إلى الله، وعلِمَ كلُّ واحد منهما أنه لا سبيل له إلى العود بعد الثالثة، لا باختياره ولا باختيارها. وأكَّد هذا المقصود بأن لعن الزوج الثاني إذا لم ينكِح نكاحَ رغبةٍ يقصد فيه الإمساك، بل نكَح نكاحَ تحليل؛ ولعن الزوجَ الأول إذا ردَّها بهذا النكاح. بل ينكحها الثاني كما نكحها الأول، ويطلِّقها كما [٢٩٢/ب] طلَّقها الأول. وحينئذ فتباح للأول، كما تباح لغيره من الأزواج.

وأنت إذا وازنت بين هذا وبين الشريعتين المنسوختين، ووازنت بينه وبين الشريعة المبدَّلة المبيحة ما لعنَ اللهُ ورسولُه فاعلَه= تبيَّن لك عظمة هذه الشريعة وجلالتها، وهيمنتها على سائر الشرائع، وأنها جاءت على أكمل الوجوه وأتمِّها وأحسنها وأنفعها للخلق، وأن الشريعتين المنسوختين خير من الشريعة المبدَّلة، فإن الله سبحانه شرعهما في وقت، ولم يشرع المبدَّلة أصلًا.

وهذه الدقائق ونحوها مما يختصُّ الله سبحانه بفهمه من شاءَ (١)؛ فمن وصل إليها فليحمد الله، ومن لم يصل إليها فليسلِّم لأحكم الحاكمين وأعلم العالمين، وليعلم أن شريعته فوقَ عقول العقلاء، ووَفْقَ (٢) فِطَرِ الألبَّاء (٣).

وقل للعيون الرُّمْدِ لا تتقدَّمي ... إلى الشمس واستغشِي ظلامَ اللياليا


(١) في النسخ المطبوعة: «يشاء».
(٢) في المطبوع: «وفوق» متابعةً لنشرة الشيخ عبد الرحمن الوكيل. والواو قبل «وفق» ساقطة من نشرة الشيخ محمد محيي الدين.
(٣) ع: «الأولياء»، تحريف.