للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن أبي شيبة (١): ثنا وكيع، عن هشام بن المغيرة الثقفي قال: سمعتُ [٣٢٧/ب] الشعبيَّ يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الشفيع أولى من الجار، والجار أولى من الجنب». وإسناده إلى الشعبي صحيح.

قالوا: ولأنَّ حقَّ الأصيل ــ وهو الجار ــ أسبقُ من حقِّ الدخيل. وكلُّ معنًى اقتضى ثبوتَ الشفعة للشريك، فمثلُه في حقِّ الجار؛ فإن الناس يتفاوتون في الجوار تفاوتًا فاحشًا، ويتأذَّى بعضهم ببعض، ويقع بينهم من العداوة ما هو معهود، والضررُ بذلك دائم متأبِّد. ولا يندفع ذلك إلا برضى الجار: إن شاء أقرَّ الدخيلَ على جواره له (٢)، وإن شاء انتزع الملك بثمنه واستراح من مؤنة المجاورة ومفسدتها. وإذا كان الجار يخاف التأذِّيَ بمجاوِره (٣) على وجه اللزوم، كان كالشريك يخاف التأذِّيَ بشريكه على وجه اللزوم.

قالوا: ولا يرد علينا المستأجر مع المالك، فإن منفعة الإجارة لا تتأبد عادة. وأيضًا فالمِلكُ بالإجارة مِلكُ منفعة، ولا لزومَ بين مِلك الجار وبين منفعة دار جاره؛ بخلاف مسألتنا، فإن الضرر بسبب اتصال الملك بالملك كما أنه في الشركة حاصل بسبب اتصال الملك بالملك؛ فوجب بحكم عناية


(١) في «المصنف» (٢٣١٦٩) عن وكيعٍ به. وسندُ الأثرِ جيّدٌ، لولا أنه مرسلٌ. أمّا ابن حزم فقطع في «المحلّى» (٩/ ١٠٣) أن هشام بن المغيرة ضعيف! والصحيح أنه ثقةٌ صدوقٌ.
(٢) «له» من ع. وكذا في النسخ المطبوعة.
(٣) في النسخ المطبوعة: «بالمجاورة». ولعل بعضهم قرأ «بمجاورةٍ» ثم أدخل عليها لام التعريف.