للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير شريكه فهذا الدخيل قد عرَّضه لمؤنة عظيمة، فمكَّنه الشارعُ من التخلُّص منها بانتزاع الشِّقْص (١) على وجهٍ لا يُضِرُّ بالبائع ولا المشتري (٢). ولم يمكِّنه الشارع من الانتزاع قبل البيع، لأن شريكه مثلُه ومساوٍ له في الدرجة، فلا يستحق عليه شيئًا إلا ولصاحبه مثلُ ذلك الحقِّ عليه. فإذا باع صار المشتري دخيلًا، والشريك أصيل، فرجَح جانبُه، وثبَت له الاستحقاق.

قالوا: وكما أن الشارع يقصد رفعَ الضرر عن الجار، فهو أيضًا يقصد رفعَ الضرر عن المشتري. ولا يزيل ضررَ الجار بإدخال الضرر على المشتري، فإنه محتاج إلى دارٍ يسكنها هو وعياله، [٣٢٩/أ] فإذا سلَّط الجارَ على إخراجه وانتزاع داره منه أضرَّ به إضرارًا بيِّنًا. وأيُّ دار اشتراها وله جار، فحاله معه هكذا. وتطلُّبُه دارًا لا جارَ لها كالمتعذِّر عليه أو المتعسِّر (٣). فكان من تمام حكمة الشارع أن أسقط الشفعة بوقوع الحدود وتصريف الطرق، لئلا يضرَّ الناسُ بعضُهم بعضًا. ويتعذَّر على من أراد شراءَ دارٍ لها جارٌ أن يتمَّ له مقصوده. وهذا بخلاف الشريك، فإن المشتري لا يمكنه الانتفاع بالحصة التي اشتراها، والشريكُ يمكنه ذلك بانضمامها إلى مِلكه، فليس على المشتري ضررٌ في انتزاعها منه وإعطائه ما اشتراها به.

قالوا: وحينئذ فتعيَّن حملُ أحاديث شفعة الجوار على مثل ما دلَّت عليه أحاديث شفعة الشركة، فيكون لفظ الجار فيها مرادًا به الشريك. ووجهُ هذا الإطلاق: المعنى والاستعمال. أما المعنى فإن كلَّ جزء من مِلك الشريك


(١) الشقص: القطعة من الشيء، والنصيب.
(٢) ع: «بالمشتري»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٣) ع: «كالمتعسِّر»، وكذا في النسخ المطبوعة.