للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول له: تحيَّلْ على بيع المصوغ بأكثر من وزنه بأنواع الحيل. ولم يقل قطُّ: لا تبعه إلا بغير جنسه، ولم يحرِّم على أحد أن يبيع شيئًا من الأشياء بجنسه.

فإن قيل: فهَبْ أن هذا قد سَلِم لكم في المصوغ، فكيف يسلَم لكم في الدراهم والدنانير المضروبة إذا بيعت بالسبائك مفاضَلًا، وتكون الزيادة في مقابلة صناعة الضرب؟

قيل: هذا سؤال قوي وارد. وجوابه أن السِّكَّة لا تتقوَّم فيها الصناعةُ للمصلحة العامة المقصودة منها، فإن السلطان يضربها لمصلحة الناس العامة. وإن كان الضارب يضربها بأجرة فإن القصد بها أن تكون معيارًا للناس لا يتَّجرون فيها، كما تقدَّم. والسكّة فيها غير مقابلة بالزيادة في العُرف (١)، ولو قوبلت بالزيادة (٢) فسدت المعاملة، وانتقضت المصلحة التي ضُربت لأجلها، واتخذها الناس سلعة، واحتاجت إلى التقويم بغيرها. ولهذا قام الدرهم مقام الدرهم من كلِّ وجه، وأخذ الرجل الدراهم ورَدَّ نظيرها (٣)؛ وليس المصوغ كذلك. ألا ترى أن الرجل يأخذ مائةً خفافًا ويردُّ خمسين ثقالًا بوزنها، ولا يأبى ذلك الآخذ ولا القابض، ولا يرى أحدهما أنه [٣٣٩/أ] قد خسر شيئًا؟ وهذا بخلاف المصوغ. والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه لم يضربوا درهمًا واحدًا، وأولُ من ضربها في الإسلام عبد الملك بن مروان،


(١) أثبت في المطبوع: «الصرف».
(٢) زاد في المطبوع بعده: «في الصرف».
(٣) ع: «فيأخذ ... ويردُّ نظيرها» وكأن النص مغيَّر فيها. وفي الطبعات القديمة: «وإذا أخذ ... ردَّ نظيرها» بزيادة «إذا» وحذف الواو قبل «ردَّ». وفي المطبوع: « ... الدرهم ردَّ نظيره»، فأفرد الدرهم مع زيادة «إذا»!