للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النحل: ١٢٢]؛ فأخبر سبحانه أنه آتى خليلَه أجرَه في الدنيا من النِّعم التي أنعَم بها عليه في نفسه وقلبه وولده وماله وحياته الطيبة، ولكن ليس ذلك أجرَ توفية.

وقد دلَّ القرآن في غير موضع على أنَّ لكلِّ مَن عمل خيرًا أجرًا [يُعجَّل له] (١) في الدنيا، ويُكمَل له أجرُه في الآخرة، كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: ٣٠]. وفي الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [النحل: ٤١]. وقال في هذه السورة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧]. وقال فيها عن خليله: {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النحل: ١٢٢]. فقد تكرَّر هذا المعنى في هذه السورة دون غيرها في أربعة مواضع لسرٍّ بديع، فإنها سورة النِّعم التي عدَّد الله سبحانه فيها أصولَ النعم وفروعَها. فعرَّف عبادَه أن لهم عنده في الآخرة من النعم أضعافَ هذه بما لا يُدرَك تفاوتُه، وأن هذه من بعض نعمه العاجلة عليهم، وأنهم إن أطاعوه زادهم إلى هذه النعم نعمًا أخرى؛ ثم في الآخرة يوفِّيهم أجورَ أعمالهم تمامَ التوفية. وقال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}


(١) ح، ف، ت: «أجران عمله». ويظهر لي أن «ن عمله» تحريف كلمة تشبه ما أثبت. وفي ع: «أجرًا من عمله». وفي النسخ المطبوعة: «أجرين عمله».