للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في فطرة أحد من العالمين؟

ثم يقال: بل الذي فطر الله عليه عباده طلبُ الحجة والدليل المثبت لقول المدعي، فركز سبحانه في فِطَر الناس أنهم لا يقبلون قول من لم يقم الدليل على صحة قوله، ولأجل ذلك أقام الله سبحانه البراهينَ القاطعة والحجج الساطعة والأدلة الظاهرة والآيات الباهرة على صدق رُسله إقامةً للحجة وقطعًا للمعذرة، هذا وهم أصدقُ خلقه وأعلمهم وأبرُّهم وأكملهم، فأتوا بالآيات والحجج والبراهين مع اعتراف أممهم لهم بأنهم (١) أصدق الناس، فكيف يُقبل قول من عداهم بغير حجة توجب قبولَ قوله؟ والله تعالى إنما أوجب قبول قولهم بعد قيام الحجة وظهور الآيات المستلزمة لصحة دعواهم؛ لِما جعل الله في فِطَر عباده من الانقياد للحجة (٢)، وقبول قول صاحبها، وهذا أمر مشترك بين جميع أهل الأرض مؤمنهم وكافرهم وبَرِّهم وفاجرهم، الانقياد للحجة وتعظيم صاحبها، وإن خالفوه عنادًا وبغيًا ولفَواتِ أغراضهم بالانقياد؛ ولقد أحسن القائل (٣):

أبِنْ وجهَ قول الحقِّ في قلب سامعٍ ... ودَعْه فنورُ الحقّ يَسرِي ويُشرِقُ

سيُؤنِسُه رِفْقًا وينسى نِفارَه ... كما نسيَ التوثيقَ من هو مُطلَقُ

ففطرة الله وشرعته من أكبر الحجج على فرقة (٤) التقليد.


(١) ع: «أنهم».
(٢) ت، ع: «والحجة».
(٣) هو ابن حزم، كما في «معجم الأدباء» (٤/ ١٦٥٩).
(٤) ع: «فرق».