للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود أن هذا هو الذي مَنَعَنا من التقليد، فأين معكم حجة واحدة تقطع العذر تسوِّغ لكم ما ارتضيتموه لأنفسكم من التقليد؟

الوجه الثاني: أن قولكم: «صواب المقلّد في تقليده لمن هو أعلم منه أقربُ من صوابه في اجتهاده» دعوى باطلة؛ فإنه إذا قلّد من قد خالفه غيره ممن هو نظيره أو أعلم منه لم يدْرِ: على صوابٍ هو من تقليده أم على خطأ، بل هو ــ كما قال الشافعي ــ حاطبُ ليلٍ (١)، إما أن يقع بيده عودٌ أو أفعى تلدغه. وأما إذا بذل اجتهاده في معرفة الحق فإنه بين أمرين: إما أن يظفَر به فله أجران، وإما أن يخطئه فله أجر، فهو مصيب للأجر ولا بدّ، بخلاف المقلّد المتعصب فإنه إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ لم يسلَمْ من الإثم، فأين صواب الأعمى من صواب البصير الباذل جهده؟

الوجه الثالث: أنه إنما يكون أقربَ إلى الصواب إذا عرف أن الصواب مع من قلَّده دون غيره، وحينئذٍ فلا (٢) يكون مقلدًا له، بل متبعًا للحجة. وأما إذا لم يعرف ذلك البتَّةَ فمن أين لكم أنه أقرب إلى الصواب من باذلٍ جهدَه ومستفرغٍ وُسعَه في طلب الحق؟

الوجه الرابع: أن الأقرب إلى الصواب عند تنازع العلماء من امتثل أمر الله فردَّ ما تنازعوا فيه إلى القرآن [٤٨/ب] والسنة، وأما من ردَّ ما تنازعوا فيه إلى قول متبوعه دون غيره فكيف يكون أقربَ إلى الصواب؟

الوجه الخامس: أن المثال الذي مثَّلتم به من أكبر الحجج عليكم؛ فإن من أراد شراء سِلْعة أو سلوكَ طريق حين اختلف عليه اثنان أو أكثر، وكل


(١) سبق توثيقه.
(٢) ع: «لا».