للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعلوم أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وظَفِروا (١) من العلم بما لم يَظفَرْ به مَن بعدهم؛ فهم المقدَّمون في العلم على من سواهم، كما هم المقدَّمون في الفضل والدين، وعملهم هو العمل الذي لا يُخالَف، وقد انتقل أكثرهم عن المدينة، وتفرقوا في الأمصار، بل أكثر علمائهم صاروا إلى الكوفة والبصرة والشام، مثل علي بن أبي طالب وأبي موسى وعبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان ومعاذ بن جبل، وانتقل إلى الكوفة والبصرة نحو ثلاثمائة صحابي ونيِّف، وإلى الشام ومصر نحوهم، [١٠٨/أ] فكيف يكون عمل هؤلاء معتبرًا ما داموا في المدينة، فإذا خالفوا غيرهم لم يكن عمل من خالفوه معتبرًا، فإذا فارقوا جدران المدينة كان عمل من بقي فيها هو المعتبر، ولم يكن خلاف ما انتقل عنها معتبرًا؟ هذا من (٢) الممتنع.

وليس جعلُ عمل الباقين معتبرًا أولى من جَعْل عمل المفارقين معتبرًا؛ فإن الوحي انقطع بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبقَ إلا كتاب الله وسنة رسوله، فمن كانت السنة معه فعمله هو العمل المعتبر حقًّا. ثم كيف تُترك السنة المعصومة لعمل غير معصوم؟

ثم يقال: أرأيتم لو استمرَّ عمل أهل مصرٍ من الأمصار التي انتقل الصحابة (٣) إليها على ما أدّاه إليهم من صار إليهم من الصحابة، ما الفرق بينه


(١) ت: «فظفروا».
(٢) «من» ليست في د.
(٣) ت: «من الصحابة».