للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا من أفسدِ رأيٍ وأبطلِه؛ فإن النعم نوعان: مستمرة ومتجددة، فالمستمرة شكرُها بالعبادات والطاعات، والمتجددة شُرِع لها سجود الشكر؛ شكرًا لله عليها، وخضوعًا له وذلًّا، في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها، وذلك من أكبر أدوائها؛ فإن الله لا يحبُّ الفَرِحين ولا الأَشِرين؛ فكان دواء هذا الداء الخضوع والذلّ والانكسار لرب العالمين، وكان في سجود الشكر من تحصيل هذا المقصود ما ليس في غيره.

ونظير هذا السجودُ عند الآيات التي يخوِّف الله بها عباده، كما في الحديث: «إذا رأيتم آية (١) فاسجدوا» (٢). وقد فَزِع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند رؤية انكساف [١٢٣/ب] الشمس إلى الصلاة، وأمر بالفَزَع إلى ذكره (٣)، ومعلوم أن آياته سبحانه لم تزل مُشاهَدةً معلومةً بالحسّ والعقل، ولكن تجدُّدها يُحدِث للنفوس من الرهبة (٤) والفزع إلى الله (٥) ما لا تُحدِثه الآيات المستمرة، فتجدُّد هذه النعم في اقتضائها لسجود الشكر كتجدُّد تلك الآيات في اقتضائها للفزع إلى السجود والصلاة.

ولهذا لما بلغ فقيهَ الأمة وترجمانَ القرآن عبد الله بن عباس موتُ ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - خرَّ ساجدًا، فقيل له: أتسجد لذلك؟ فقال: قال رسول


(١) «آية» ليست في ت.
(٢) سيأتي تخريجه بعد حديث.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) ت: «الربنه»!
(٥) ت: «الآية».