للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأحدهم ضمُّ اللقطة وردُّ الآبق وحفظ الضالَّة، حتى إنه يَحْسِب ما ينفقه على الضالة والآبق واللقطة ويُنزِّل إنفاقَه عليها منزلةَ إنفاقه لحاجة نفسه لما كان حفظًا لمال أخيه وإحسانًا إليه؛ فلو علم المتصرِّف لحفظ مال أخيه أن نفقته تضيع وأن إحسانه يذهب باطلًا في حكم الشرع لما أقدمَ على ذلك، ولضاعت مصالح الناس، ورغبوا عن حفظ أموال بعضهم بعضا، وتعطَّلت حقوق كثيرة، وفسدت أموال عظيمة. ومعلومٌ أن شريعة من بَهَرت العقولَ شريعتُه وفاقت كلَّ شريعة واشتملت على كل مصلحة وعطَّلت كل مفسدة تأبى ذلك كلَّ الإباء.

وأين هذا من إجازة أبي حنيفة تصرُّف الفضولي ووقفَ العقود تحصيلًا لمصلحة المالك، ومَنْعِ المرتهن من الركوب والحلب بنفقته؟ فيا لله العجب! يكون هذا الإحسان للراهن وللحيوان ولنفسه بحفظ الرهن حرامًا لا اعتبارَ به شرعًا مع إذن الشارع فيه لفظًا وإذن المالك عرفًا، وتصرُّف الفضولي معتبرًا مرتَّبًا عليه حكمه! هذا، ومن المعلوم أنّا في إبراء الذِّمم أحوجُ منا إلى العقود على أولاد الناس وبناتهم وإمائهم [١٢٦/أ] وعبيدهم ودورهم وأموالهم؛ فالمرتهن محسن بإبراء ذمة المالك من الإنفاق على الحيوان، مؤدٍّ لحقّ الله فيه ولحقّ مالكه ولحقّ الحيوان ولحقّ نفسه، متناولٌ ما أذن له فيه الشارع من العوض بالدَّرّ والظَّهر. وقد أوجب الله سبحانه على الآباء إيتاء المراضع أجرهن بمجرد الإرضاع، وإن لم يعقدوا معهن عقد إجارة؛ فقال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦].

فإن قيل: فهذا ينتقض عليكم بما لو كان الرهن دارًا فخرِبَ بعضها فعَمَرَها ليحفظ الرهن؛ فإنه لا يستحق السكنى عندكم بهذه العمارة، ولا