للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نبيِّن ما في هذين الأصلين من حق وباطل.

فأما الأصل الأول فقد دلَّ على فساده القرآن والسنة وآثار الصحابة والقياس [١٢٦/ب] الصحيح ومصالح العباد:

أما القرآن فقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦]، وقد تقدم تقرير الدلالة منه. وقد اعترض بعضهم على هذا الاستدلال بأن المراد به أجورهن المسمَّاة فإنه أمرٌ لهم بوفائها، لا أمرٌ لهم بإيتاء ما لم يسمُّوه من الأجرة، ويدلُّ عليه قوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: ٦]، وهذا التعاسر إنما يكون حالَ العقد بسبب طلبِها الشططَ من الأجر أو حطَّها عن أجرة المثل. وهذا اعتراض فاسد؛ فإنه ليس في الآية ذكر التسمية، ولا يدلُّ عليها بدلالة من الدلالات الثلاث، أما اللفظيتان فظاهر، وأما اللزومية فلِانفكاكِ التلازم بين الأمر بإيتاء الأجر وبين تقدُّم تسميتِه. وقد سمَّى الله سبحانه ما يؤتيه العامل على عمله أجرًا وإن لم يتقدم له تسمية، كما قال تعالى عن خليله: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: ٢٧]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: ٣١]، ومعلوم أن الأجر (١) ما يعود إلى العامل عوضًا عن عمله؛ فهو كالثواب الذي يثوب إليه أي يرجع من عمله، وهذا ثابت سواء سُمِّي أو لم يُسَمَّ.

وقد نصّ الإمام أحمد (٢) على أنه إذا افتدي الأسير رجع عليه بما غرمه


(١) ت: «الأجرة».
(٢) كما في «الروايتين والوجهين» (٢/ ٣٧٥ - ٣٧٦).