للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قاعدةً من قواعد الشرع ولا إجماعًا، بل لو ادُّعي أنه إجماع الصحابة كان أصوب. قال الشيخ في «المغني» (١): «وهذا اتفاق لم يظهر خلافه».

قلت: وأكثر ما فيه تأخير الحدّ لمصلحة راجحة إما من حاجة المسلمين إليه أو من خوف ارتداده ولحوقه بالكفار، وتأخير الحدّ لعارضٍ أمر وردت به الشريعة، كما يؤخَّر عن الحامل والمرضع وعن وقت الحر والبرد والمرض؛ فهذا تأخير لمصلحة المحدود؛ فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى.

فإن قيل: فما تصنعون بقول سعد: «والله لا أضرِب اليوم رجلًا أبلى للمسلمين ما أبلاهم»، فأسقط عنه الحد؟

قيل: قد يتمسك بهذا من يقول: لا حدَّ على المسلم في دار الحرب، كما يقوله أبو حنيفة. ولا حجة فيه، والظاهر أن سعدا - رضي الله عنه - اتبع في ذلك سنة الله عز وجل؛ فإنه لما رأى تأثير أبي محجن في الدين وجهاده وبذْله نفسَه لله ما رأى درأ عنه الحدَّ؛ لأن ما أتى به من الحسنات غَمرتْ هذه السيئة الواحدة وجعلتْها كقطرة نجاسةٍ وقعت في بحر، ولا سيّما وقد شامَ منه مخايلَ التوبة النصوح وقت القتال؛ إذ لا يُظَنُّ في مسلم إصرارُه في ذلك الوقت الذي هو مظِنَّة القدوم على الله وهو يرى الموت.

وأيضًا فإنه بتسليمه نفسَه ووَضْعِ رجلِه في القيد اختيارًا قد استحق أن يُوهَب له حدُّه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي قال له: يا رسول الله، أصبتُ حدًّا فأقِمْه عليّ، فقال: «هل صلَّيتَ معنا هذه الصلاة؟» قال: نعم، قال:


(١) «المغني» (١٣/ ١٧٤).