للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كمن قوتُهم الذُّرة أو الأرز أو التين أو غير ذلك من الحبوب، فإن كان قوتُهم من غير الحبوب كاللبن واللحم والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنًا ما كان. هذا قول جمهور العلماء، وهو الصواب الذي لا يقال بغيره؛ إذ المقصود سَدُّ خَلَّة المساكين يوم العيد ومواساتُهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم. وعلى هذا فيُجزِئ [٤/ب] إخراج الدقيق وإن لم يصح فيه الحديث (١). وأما إخراج الخبز والطعام فإنه وإن كان أنفعَ للمساكين لقلة المُؤْنة والكُلْفة فيه، فقد يكون الحَبُّ أنفعَ لهم لطول بقائه وأنه يتأتّى منه ما لا يتأتّى من الخبز والطعام، ولا سيَّما إذا كثر الخبز والطعام عند المسكين فإنه يفسد ولا يمكنه حفظه.

وقد يقال: لا اعتبارَ بهذا، فإن المقصود إغناؤهم في ذلك اليوم العظيم عن التعرُّض للسؤال، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَغْنُوهم في هذا اليوم عن المسألة» (٢)، وإنما نص على تلك الأنواع المخرَّجة لأن القوم لم يكونوا يعتادون اتخاذ الأطعمة يوم العيد، بل كان قُوتُهم يوم العيد كقوتهم سائر السنة؛ ولهذا لما كان قوتُهم يومَ عيد النحر من لحوم الضحايا (٣) أُمِروا أن


(١) رواه أبو داود (١٦١٨) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، وزاد ابن عيينة: «صاعًا من دقيق». وذكر أبو داود أن هذه الزيادة من وهم ابن عيينة، وفي الباب عن ابن عباس. انظر: «التنقيح» لابن عبد الهادي (٣/ ١٣٠) و «البدر المنير» (٥/ ٦٣٠).
(٢) رواه سعيد بن منصور كما في «المغني» (٣/ ٨٨). وفي إسناده أبو معشر متكلم فيه. ورواه ابن وهب في «الجامع» (١٩٨) والدارقطني (٢١٣٣) وابن زنجويه في «الأموال» (٢٣٩٧) بنحوه، وفي إسناده أبو معشر أيضًا، والحديث ضعّفه النووي في «المجموع» (٦/ ١٢٦). وانظر: «الإرواء» (٣/ ٣٣٢).
(٣) في د، ز: «الأضاحي». وصُحّح في هامشهما.