للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحيض للطواف كمنافاته للصلاة والصيام؛ إذ نهيُ الحائض عن الجميع سواء، ومنافاة الحيض لعبادة الطواف كمنافاته لعبادة الصلاة.

ونازعَهم في ذلك فريقان:

أحدهما صحَّحوا الطواف مع الحيض، ولم يجعلوا الحيض مانعًا من صحته، بل جعلوا الطهارة واجبة تُجبَر بالدم، ويصح الطواف بدونها، كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه، وأحمد في إحدى الروايتين عنه وهي أنصُّهما عنه. وهؤلاء لم يجعلوا ارتباط الطهارة بالطواف كارتباطها بالصلاة ارتباطَ الشرط بالمشروط، بل جعلوها واجبةً من واجباته، وارتباطها به كارتباط واجبات الحج به، يصح فعلُه مع الإخلال بها ويَجبُرها الدم.

والفريق الثاني جعلوا وجوب الطهارة للطواف واشتراطَها بمنزلة وجوب السترة واشتراطها، بل وبمنزلة سائر شروط الصلاة وواجباتها التي تجب وتُشترط مع القدرة وتسقط مع العجز. قالوا: وليس اشتراط الطهارة للطواف أو وجوبها له بأعظمَ من اشتراطها للصلاة، فإذا سقطت بالعجز عنها فسقوطها في الطواف بالعجز عنها أولى وأحرى.

قالوا: وقد كان في زمن النبي (١) - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين يحتبس أمراء الحج للحيَّض حتى يطهُرن ويطُفْن، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن صفية وقد حاضت: «أحابستُنا هي؟» قالوا: إنها قد أفاضت، قال: «فلْتنفِرْ إذًا» (٢). وحينئذٍ فكانت الطهارة مقدورةً لها يُمكِنها الطواف بها، فأما في هذه الأزمان


(١) د: «رسول الله».
(٢) رواه البخاري (٤٤٠١) ومسلم (١٢١١) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.