للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأكابر العارفون بعلل الحديث والفقه كالإمام أحمد (١) وأبي عبيد (٢) والبخاري (٣) ضعَّفوا حديث البتة، وبينوا أنّ رواته قوم مجاهيل لم تُعرف عدالتهم وضبطهم. وأحمد ثبَّتَ حديث الثلاث، وبيّن أنه الصواب، وقال: حديث ركانة لا يثبت أنه طلق امرأته البتة. وفي رواية عنه: حديث ركانة في البتة ليس بشيء؛ لأن ابن إسحاق يرويه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس (٤) أن ركانة طلَّق امرأته ثلاثًا، وأهلُ المدينة يسمُّون الثلاث البتة (٥). قال الأثرم: قلت لأحمد: حديث ركانة في البتة؟ فضعَّفه (٦).

والمقصود أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يخْفَ عليه أن هذا هو السنة، وأنه توسعةٌ من الله لعباده؛ إذ جعل الطلاق مرةً بعد مرة، وما كان مرةً بعد مرة لم يملك المكلَّف

إيقاعَ مرَّاتِه كلها جملة واحدة، كاللعان فإنه لو قال: «أشهد بالله أربع شهادات إني لمن الصادقين» كان مرة واحدة، ولو حلف في القسامة وقال: «أقسم بالله خمسين يمينًا أن هذا [١١/أ] قاتله» كان ذلك يمينًا واحدة، ولو قال المقرُّ بالزنا: «أنا أقرُّ أربع مرات أني زنيت» كان مرة واحدة؛ فمن يعتبر الأربع لا يجعل ذلك إلا إقرارًا واحدًا. وقال النبي


(١) سيأتي كلام أحمد.
(٢) انظر: «سنن ابن ماجه» (٢٠٥١).
(٣) انظر: «التاريخ الكبير» (٦/ ٣٠١) و «سنن الترمذي» (١١٧٧) و «العلل الكبير» للترمذي (ص ١٧١).
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) انظر: «مسائل الإمام أحمد» رواية أبي داود (ص ٢٣٦).
(٦) انظر: «إغاثة اللهفان» (١/ ٥٤٧).