للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- رحمه الله - ــ يعني أبا علي ــ يهاب الكلام فيها. ثم قال أبو القاسم: إلا أن يلتزم الحالف بها جميعَ ما فيها من الأيمان. فقال له السائل: عرفها أم لم يعرفها؟ قال: نعم.

ووجهُ هذا القول أنه بالتزامه لموجبها صار ناويًا له مع التلفظ، وذلك مقتضى اللزوم، ومتى وُجد سبب اللزوم والوجوب ثبت موجبه وإن لم يعرفه، كما لو قال: إن شفى الله مريضي فثلث مالي صدقة، أو وصَّى به ولم يعرفه، أو قال: أنا مقرٌّ بما في هذا الكتاب، وإن لم يعرفه، أو قال: ما أعطيتَ فلانًا فأنا (١) ضامن له، أو ما لَكَ عليه فأنا ضامِنُه= صحَّ ولزمه وإن لم يعرفه، أو قال «ضمانُ عهدة هذا المبيع عليَّ» صح ولزمه وإن لم يعرفه.

وقال أكثر أصحابنا منهم صاحب «المغني» (٢) وغيره: إن لم يعرفها لم تنعقد يمينُه بشيء مما فيها؛ لأنها ليست بصريحة في القسم، والكناية لا يترتّب عليها مقتضاها إلا بالنية، فمن لم يعرف شيئًا لم يصح أن ينويه. قالوا: وإن عرفها ولم ينوِ عقد اليمين بما فيها لم تصح أيضًا؛ لأنها كناية فلا يلزم حكمها إلا بالنية، وإن عرفها ونوى اليمين بما فيها صحّ في الطلاق والعتاق؛ لأن اليمين بهما تنعقد بالكناية، دون غيرهما؛ لأنها لا تنعقد بالكناية.

وقالت طائفة من أصحابنا: تنعقد في الطلاق والعتاق وصدقة المال دون اليمين بالله تعالى، فإن الكفارة إنما وجبت فيها لما اشتملت عليه من حرمة الاسم المعظَّم الذي تعظيمه من لوازم الإيمان، وهذا لا يوجد فيما عداه من الأيمان.


(١) د: «أنا».
(٢) (١٣/ ٦٢٠)، وانظر: «القواعد» لابن رجب (ص ٢٤٩).