للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَجْرِي تَحْتَهَا (١) الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ١٠٠]، وإن (٢) كثيرًا من أولئك السابقين الأولين خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله ابتغاءَ مرضاة الله، فجنَّدوا [٢٨/ب] الأجناد، واجتمع إليهم الناس، فأظهروا بين ظهرانيهم كتاب الله وسنة نبيه، ولم يكتُموهم شيئًا علِموه.

وكان في كل جندٍ منهم طائفة يعلِّمون لله كتابَ الله وسنة نبيه، ويجتهدون رأيَهم فيما لم يفسِّره لهم القرآن والسنة، ويُقوِّيهم (٣) عليه أبو بكر وعمر وعثمان الذين اختارهم المسلمون لأنفسهم، ولم يكن أولئك الثلاثة مضيعين لأجنادهم ولا غافلين عنهم، بل كانوا يكتبون في الأمر اليسير لإقامة الدين والحذر من الاختلاف بكتاب الله وسنة نبيه، فلم يتركوا أمرًا فسّره القرآن أو عمل به النبي - صلى الله عليه وسلم - أو ائتمروا فيه بعده إلا علَّموهموه.

فإذا جاء أمر عمِلَ فيه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمصر والشام والعراق على عهد أبي بكر وعمر وعثمان ولم يزالوا عليه حتى قُبِضوا لم يأمروهم بغيره، فلا نراه يجوز لأجناد المسلمين أن يُحدِثوا اليوم أمرًا لم يعمل به سلفُهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم.

مع أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اختلفوا بعدُ في الفتيا في أشياء كثيرة، ولولا أني قد عرفتُ أن قد علمتَها كتبتُ بها إليك، ثم اختلف التابعون في أشياء بعد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعيد بن المسيب ونظراؤه أشدَّ الاختلاف، ثم اختلف الذين كانوا بعدهم فحضرتهم بالمدينة وغيرها،


(١) في النسختين و «المعرفة»: «من تحتها»، وهي قراءة ابن كثير، وبها كان يقرأ الشافعي.
(٢) كذا في النسختين. وفي المطبوع: «فإن».
(٣) كذا في النسختين. وفي المطبوع: «ويقومهم».