للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إخبارًا كاذبًا وإنشاء باطلًا؛ فإنا نعلم أن هذه اللفظة لم توضع (١) في الشرع ولا في العرف ولا في اللغة لمن قصد ردَّ المطلقة إلى زوجها، وليس له قصد في النكاح الذي وضعه الله بين عباده وجعله سبب المودّة والرحمة بين الزوجين، وليس له قصدٌ في توابعه حقيقةً ولا حكمًا، فمن ليس له قصدٌ في الصحبة [٤٠/ب] ولا في العشرة ولا المصاهرة ولا الولد ولا المواصلة ولا المعاشرة والإيواء، بل قصدُه أن يفارق لتعود إلى غيره؛ فالله جعل النكاح سببًا للمواصلة والمصاحبة، والمحلِّل جعله سببًا للمفارقة، فإنه تزوّج ليطلّق؛ فهو مناقض لشرع الله ودينه وحكمته، فهو كاذب في قوله «تزوجتُ» بإظهاره خلاف ما في قلبه، وبمنزلة من قال لغيره: وكّلتُك أو شاركتك أو ضاربتك أو ساقيتك، وهو يقصد رفع هذه العقود وفسخها.

وقد تقدَّم أن صيغ العقود إخبارات عما في النفس من المعاني التي هي أصل العقود ومبدأ الحقيقة التي بها يصير اللفظ كلامًا معتبرًا؛ فإنها لا تصير كلامًا معتبرًا إلا إذا (٢) قُرِنت بمعانيها، فتصير إنشاءً للعقود والتصرفات من حيث إنها هي التي أثبتت الحكم وبها وُجِد، وإخباراتٍ من حيث دلالتها على المعاني التي في النفس؛ فهي تُشبِه في اللفظ أحببتُ وأبغضتُ وكرهتُ، وتُشبِه في المعنى قُمْ واقعُدْ. وهذه الأقوال إنما تفيد الأحكام إذا قصد المتكلم بها ــ حقيقةً أو حكمًا ــ ما جُعلت له، وإذا لم يقصد بها ما يناقض معناها، وهذا فيما بينه وبين الله تعالى. وأما في الظاهر فالأمر محمول على الصحة، وإلا لما تمَّ عقدٌ ولا تصرفٌ، فإذا قال «بعتُ»


(١) ز: «هذا اللفظ لم يوضع».
(٢) «إذا» ساقطة من ز.