للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحاصل الأمر أن اللعب والهزل والمزاح في حقوق الله غير جائز، فيكون جدُّ القول وهزلُه سواء، بخلاف جانب العباد. ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمزح مع أصحابه ويباسطهم، وأما مع ربه تبارك وتعالى فيجِدُّ كلَّ الجِدّ، ولهذا قال للأعرابي يمازحه: «مَن يشتري منّي العبدَ؟» فقال: تجدني رخيصًا يا رسول الله؟ فقال: «بل أنت عند الله غالٍ» (١). وقصد - صلى الله عليه وسلم - أنه عبد الله، والصيغة صيغة استفهام. وهو - صلى الله عليه وسلم - كان يمزح ولا يقول إلا حقًّا (٢). ولو أن رجلًا قال: «من يتزوَّج أمي أو أختي» لكان من أقبح الكلام، وقد كان عمر - رضي الله عنه - يضرب من يدعو امرأته أخته، وقد جاء في ذلك حديث مرفوع رواه أبو داود (٣) أن رجلًا قال لامرأته: يا أُخَيَّة (٤)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أختُك هي؟». وإنما جعل إبراهيم ذلك حاجةً لا مُزاحًا (٥).

ومما يوضّحه أن عقد النكاح يُشبِه العبادات في نفسه، بل هو مقدَّم على


(١) رواه أحمد (١٢٦٤٨) والترمذي في «الشمائل» (٢٢٩) من حديث أنس - رضي الله عنه -، وصححه ابن حبان (٥٧٩٠) وابن حجر في «الإصابة» (٢/ ٤٥٢).
(٢) رواه أحمد (٨٧٢٣) والترمذي (١٩٩٠) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وحسنه الترمذي والبغوي (٣٦٠٢).
(٣) برقم (٢٢١٠) وهو مرسل، وقد وصله أبو داود في الحديث الذي بعده (٢٢١١)، والحديث في إسناده اضطراب. انظر: «ضعيف أبي داود» - الأم (٢/ ٢٤٠).
(٤) د: «أخته». وفي ز بدون نقط، والمثبت من أبي داود.
(٥) إشارة إلى الحديث الذي رواه البخاري (٣٣٥٨) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا، وفيه: «بينا هو (أي إبراهيم) ذاتَ يومٍ وسارةُ، إذ أتى على جبَّار من الجبابرة، فقيل له: إن ههنا رجلًا معه امرأة من أحسن النساء، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي ... ».