للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيئًا ــ إلا فتح لباب الحيل؟ بل هي أصل الحيل وأساسها، وكيف تُفرِّق الشريعة بين متماثلين من كل وجه لافتراقهما في تقدُّم لفظٍ أو تأخُّرِه مع استواء العقدين في الحقيقة والمعنى والقصد؟ وهل هذا إلا من أقرب الوسائل والذرائع إلى حصول ما قصد الشارع عدمه وإبطاله؟ وأين هذه القاعدة من قاعدة سدِّ الذرائع إلى قصد (١) [٤٥/ب] المحرَّمات؟ ولهذا صرَّح أصحابها ببطلان قاعدة سدّ الذرائع لما علموا أنها مناقضة لتلك؛ فالشارع سدَّ الذرائع إلى المحرمات بكل طريق، وهذه القاعدة (٢) تُوسع الطرق إليها وتنهجها.

وإذا تأمل اللبيب هذه القاعدة وجدها ترفع التحريم أو الوجوب مع قيام المعنى المقتضي لهما حقيقة، وفي ذلك تأكيد للتحريم من وجهين: من جهة أن فيها فعلَ المحرم وتركَ الواجب، ومن جهة اشتمالها على التدليس والمكر والخداع والتوسل بشرع الله الذي أحبَّه ورضيَه لعباده إلى نفس ما حرّمه ونهى عنه، ومعلوم أنه لا بدَّ أن يكون بين الحلال والحرام فرقٌ في الحقيقة، بحيث يظهر للعقول (٣) مضادةُ أحدهما للآخر، والفرق في الصورة غير معتبر ولا مؤثِّر؛ إذ الاعتبار بالمعاني والمقاصد في الأقوال والأفعال، فإن الألفاظ إذا اختلفت عباراتها أو مواضعها بالتقدم والتأخر والمعنى واحد كان حكمها واحدًا، ولو اتفقت ألفاظها واختلفت معانيها كان حكمها مختلفًا، وكذلك الأعمال. ومن تأمَّل الشريعة حقَّ التأمل علم صحة هذا


(١) «قصد» ليست في د.
(٢) ز: «قاعدة».
(٣) د: «العقود».