للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محرَّم يُبْطِنه، ولهذا يقال: «طريقٌ خَيْدَع» إذا كان مخالفًا للقصد لا يُفطَن له، ويقال للسراب: «الخَيْدع» لأنه يَخدع من يراه ويَغُرُّه، وظاهره خلاف باطنه، ويقال للضبّ: «خادع»، وفي المثَل: «أخدعُ من ضَبٍّ» لمراوغته. ويقال: «سوقٌ خادعةٌ» أي متلونة، وأصله الاختفاء والستر، ومنه «المُخْدَع» في البيت (١).

فوازِنْ بين قول القائل: آمنا بالله وباليوم الآخر وأشهدُ أن محمدًا [٥٤/أ] رسول الله؛ إنشاءً للإيمان وإخبارًا به، وهو غير مُبطِن لحقيقة هذه الكلمة ولا قاصدٍ له ولا مطمئنٍ به، وإنما قاله متوصلًا به إلى أمنه وحَقْن دمه أو نيل غرض دنيوي، وبين قول المرابي: بعتك هذه السلعة بمائة. وليس لواحد منهما غرض فيها بوجهٍ، وليس مبطنًا لحقيقة هذه اللفظة، ولا قاصدًا له، ولا مطمئنًّا به، وإنما تكلم بها متوصلًا إلى الربا. وكذلك قول المحلل: تزوجتُ هذه المرأة، أو قبلتُ هذا النكاح، وهو غير مبطنٍ لحقيقة النكاح، ولا قاصدٍ له، ولا مريدٍ أن تكون زوجتَه بوجه، ولا هي مريدة لذلك ولا الولي، هل تجد بينهما فرقًا في الحقيقة أو العرف؟

فكيف يسمَّى أحدهما مخادعًا دون الآخر، مع أن قوله بعتُ واشتريت واقترضت وأنكحت وتزوجت غير قاصدٍ به انتقال الملك الذي وضعت له هذه الصيغة، ولا ينوي النكاح الذي جعلت له هذه الكلمة، بل قصدُه ما ينافي مقصود العقد أو أمر آخر خارج عن أحكام العقد، وهو عود المرأة إلى زوجها المطلق، وعود السلعة إلى البائع بأكثر من ذلك الثمن، بمباشرته لهذه الكلمات التي جعلت لها حقائق ومقاصد، مُظهِرًا لإرادة حقائقها ومقاصدها


(١) شرح هذه الكلمات بنحو ما هنا في «الصحاح» (خدع).