للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الربا المحرّم، وصورة البيع الجائز غير مقصودة له. وكذلك المتحيِّل على إسقاط الفرائض بتمليك ماله لمن لا يهَبه درهمًا واحدًا حقيقةُ مقصوده إسقاط الفرض، وظاهر الهبة المشروعة غير مقصودة له.

الثالث: نسبته ذلك إلى الشارع الحكيم وإلى شريعته التي هي غذاءٌ للقلوب ودواؤها وشفاؤها، ولو أن رجلًا [٦١/أ] تحيَّل حتى قلب الدواء والغذاء (١) إلى ضدّه، فجعل الغذاء دواء والدواء غذاء، إما بتغيير اسمه أو صورته مع بقاء حقيقته= لأهلكَ الناس. فمن عَمَد إلى الأدوية المُسهلة فغيَّر صورتها أو أسماءها وجعلها غذاء للناس، أو عَمَد إلى السموم القاتلة فغيَّر أسماءها وصورتها وجعلها أدويةً، أو إلى الأغذية الصالحة فغيَّر أسماءها وصورها؛ كان ساعيًا بالفساد في الطبيعة، كما أن هذا ساعٍ بالفساد في الشريعة؛ فإن الشريعة للقلوب بمنزلة الغذاء والدواء للأبدان، وإنما ذلك بحقائقها لا بأسمائها وصُوَرها.

وبيان ذلك على وجه الإشارة أن الله سبحانه إنما حرَّم الزنا والربا وتوابعهما ووسائلهما؛ لما في ذلك من الفساد، وأباح البيع والنكاح وتوابعهما لأن ذلك مصلحة محضة، ولا بدَّ أن يكون بين الحلال والحرام فرق في الحقيقة، وإلا لكان البيع مثل الربا والنكاح مثل الزنا، ومعلوم أن الفرق في الصورة دون الحقيقة مُلغًى عند الله ورسوله وفي فِطَر عباده؛ فإن الاعتبار بالمقاصد والمعاني في الأقوال والأفعال، فإن الألفاظ إذا اختلفت ومعناها واحد كان حكمها واحدًا، فإذا اتفقت الألفاظ واختلفت المعاني كان حكمها مختلفًا، وكذلك الأعمال إذا اختلفت صورها واتفقت


(١) ز: «الغذاء والدواء».