للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتورُّق ونحوهما، فلو لم يفعل ذلك لهلك وهلكت عياله، والله سبحانه لا يشرع ذلك، ولا يَضِيق عنه شرعُه الذي وَسِعَ جميعَ خلقه؛ فقد دار أمره بين ثلاثة لا بدَّ له من واحدٍ منها: إما إضاعة نفسه وعياله، وإما الربا صريحًا، وإما المخرج من هذا الضيق بالحيلة، فأَوجِدُونا أمرًا رابعًا نصير إليه.

وكذلك الرجل يَنْزَغه الشيطان فيقع به الطلاق فيضيق عليه جدًّا مفارقةُ امرأته وأولاده وخراب بيته، فكيف يُنكَر في حكمة الله ورحمته أن نتحيَّل له بحيلة تُخرِجه من هذا الإصر والغُلّ؟ وهل الساعي في ذلك إلا مأجور غير مأزور كما قاله إمام الظاهرية في وقته أبو محمد بن حزم وأبو ثور وبعض أصحاب أبي حنيفة، وحملوا أحاديث التحريم على ما إذا شُرِط في صلب العقد أنه نكاح تحليل؟

قالوا: وقد روى عبد الرزاق (١) عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: أرسلت امرأة إلى رجل، فزوَّجتْه نفسَها ليُحِلَّها لزوجها، فأمره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يقيم معها ولا يطلِّقها، وأوعده أن يعاقبه إن طلَّقها. فهذا أمير المؤمنين قد صحَّح نكاحه، ولم يأمره باستئنافه، وهو حجة في صحة نكاح المحلِّل والنكاح بلا وليّ.

وذكر عبد الرزاق (٢) عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يرى بأسًا بالتحليل، إذا لم يعلم أحد الزوجين.


(١) في «المصنف» (١٠٧٨٦، ١٠٧٨٧) وابن حزم في «المحلى» (١٠/ ١٨٢)، وابن سيرين لم يدرك عمر.
(٢) في «المصنف» (١٠٧٨٢) وابن حزم في «المحلى» (١٠/ ١٨٢)، وسنده صحيح.