للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال شيخنا (١) - رضي الله عنه -: وإنما احتمل الوجهين لأن الجزاء قد يراد به نفس الحكم باستحقاق العقوبة، وقد يراد به نفس فعل العقوبة، وقد يراد به نفس الألم الواصل إلى المعاقب؛ والمقصود أن إلهام الله سبحانه لهم هذا الكلام (٢) كيدٌ كاده ليوسف خارج عن قدرته؛ [٧٤/أ] إذ قد كان يُمكنهم أن يقولوا: لا جزاء عليه حتى يثبت أنه هو الذي سرق؛ فإن مجرد وجوده في رحله لا يوجب ثبوت السرقة، وقد كان يوسف عادلًا لا يأخذهم بغير حجة. وقد كان يمكنهم أن يقولوا: يُفعل به ما يُفعل بالسرَّاق في دينكم، وقد كان من دين ملك مصر ــ كما قاله أهل التفسير ــ أن يُضرب السارق ويُغرم قيمة المسروق مرتين، ولو قالوا ذلك لم يمكنه أن يُلزِمهم ما لا يلزم به غيرهم.

ولهذا قال سبحانه: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف: ٧٦]، أي ما كان يمكنه أخذُه في دين ملك مصر؛ إذ لم يكن في دينه طريق له إلى أخذه، وعلى هذا فقوله: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} استثناء منقطع، أي لكن إن شاء الله أخذه بطريق آخر، أو يكون متصلًا على بابه، أي إلا أن يشاء الله ذلك فيهيِّئ له سببًا يؤخذ به في دين الملك من الأسباب التي كان الرجل يُعتقل بها، فإذا كان المراد من الكيد فعلًا من الله ــ بأن ييسِّر لعبده المؤمن المظلوم المتوكل عليه أمورًا يحصل بها مقصوده من الانتقام من الظالم ــ كان هذا خارجًا عن الحيل الفقهية؛ فإن كلامنا في الحيل التي يفعلها العبد، لا فيما يفعله الله سبحانه.


(١) في «بيان الدليل» (ص ٢١٥).
(٢) د: «هذا الكلام لهم».