للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منطبق على لفظ الحديث؛ فلا يدخل ما أخبر أنه لا يحلُّ تحت ما أذن فيه.

يوضحه أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بعِ الجمعَ بالدراهم ثم ابتَعْ بالدراهم جَنيبًا»، وهذا يقتضي بيعًا ينشئه ويبتدئه بعد انقضاء البيع الأول، ومتى واطأه في أول الأمر على أن أبيعك وأبتاع منك فقد اتفقا على العقدين معًا؛ فلا يكون الثاني عقدًا مستقلًّا مبتدأً، بل هو من تتمة العقد الأول عندهما وفي اتفاقهما، وظاهر الحديث أنه أمر بعقدين مستقلَّين لا يرتبط أحدهما بالآخر ولا ينبني عليه.

ولو نزَلنا عن ذلك كله وسلَّمنا أن الحديث عام عمومًا لفظيًّا يدخل تحته صورة الحيلة فهو لا ريبَ مخصوص بصور كثيرة؛ فتخصّ منه هذه الصورة المذكورة بالأدلة المتقدمة على بطلان الحيل وأضعافها، والعام يُخَصُّ بدون مثلها بكثير، فكم قد خُصَّ العموم بالمفهوم وخبر الواحد والقياس وغير ذلك، فتخصيصه (١) ــ لو فُرِض عمومه ــ بالنصوص والأقيسة وإجماع الصحابة على تحريم الحيل أولى وأحرى، بل واحد من تلك الأدلة التي ذكرناها على المنع من الحيل وتحريمها كافٍ في التخصيص.

وإذا كنتم قد خصصتم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله المحلِّلَ والمحلَّلَ له» (٢) مع أنه عام عمومًا لفظيًّا، فخصصتموه بصورة واحدة وهي ما اشترطا في صلب العقد أنه إنما تزوَّجها ليُحِلَّها ومتى أحلَّها فهي طالق، مع أن هذه الصورة نادرة جدًّا لا يفعلها محلِّل، والصور الواقعة في التحليل أضعاف أضعافِ هذه، فحملتم اللفظ العام عمومًا لفظيًّا ومعنويًّا على أندرِ صورة تكون لو قُدِّر


(١) د: «فتخصه»، ز: «فيخصه». والمثبت يقتضيه السياق.
(٢) تقدم.