للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسْخَها فسَخَها وتضرر الآخر، ومفسدة ثانية وهو أنه يجب عليه تسليم هذا الجزء من ألف جزء من جميع ثمرة البستان من كل نوع من أنواعه، وقد يتعذّر عليه ذلك أو يتعسّر، إما بأن يأكل الثمرة أو يُهديها كلَّها أو يبيعها على أصولها، فلا يمكنه تسليم ذلك الجزء، وهكذا يقع سواء. ثم قد يكون ذلك الجزء من الألف (١) يسيرًا جدًّا، فلا يطالب به عادة، فيبقى في ذمته لليتيم ولجهة الوقف. إلى غير ذلك من المفاسد التي في هذه الحيلة.

وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا أفقهَ من ذلك، وأعمق علمًا، وأقلَّ تكلفًا، وأبرَّ قلوبًا، فكانوا يرون ضمان الحدائق بدون هذه الحيلة، كما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحديقة أُسَيد بن حُضَير (٢)، ووافقه عليه جميع الصحابة، فلم ينكره منهم رجل واحد. وضمان البساتين كما هو إجماع الصحابة فهو مقتضى القياس الصحيح، كما تضمن الأرض لمُغَلّ الزرع فكذلك تضمن الشجر لمُغَلّ الثمر، ولا فرقَ بينهما البتةَ؛ إذ الأصل هنا كالأرض هناك، والمُغَلّ يحصل بخدمة المستأجر والقيام على الشجر كما يحصل بخدمته والقيام على الأرض. ولو استأجر أرضًا ليحرُثَها ويسقيها ويستغلَّ ما يُنبته الله سبحانه فيها من غير بذر منه كان بمنزلة استئجار الشجر من كل وجه، لا فرقَ بينهما البتةَ، فهذا أفقه من هذه الحيلة، وأبعد عن الفساد، وأصلح للناس، وأوفق للقياس، وهو اختيار أبي الوفاء ابن عقيل وشيخ الإسلام ابن تيمية (٣) - رضي الله عنهما -، وهو الصواب.


(١) ز: «ألف».
(٢) رواه ابن أبي شيبة (٢٣٧٢٣).
(٣) انظر: «مجموع الفتاوى» (٣٠/ ١٥١، ٢٨٣).