للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحدةً ثم أراد تكميلها بالمائة، وكان لسليمان ابنِه مائةُ امرأة، وكان للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان - رضي الله عنهم - من الأموال ما هو معروف، وكان لعبد الله بن المبارك والليث بن سعد من الدنيا وسعة المال ما لا يُجهل، [١٠٩/ب] ويُنسِيه ما كان لهؤلاء من الفضل، وأنهم لم ينقطعوا عن الله بدنياهم، بل ساروا بها إليه، فكانت طريقًا لهم إلى الله.

فإن أعجزتْهم هذه الحيلةُ ــ بأن تفتح بصيرة العبد حتى كأنه يشاهد بها الآخرة وما أعدَّ الله فيها لأهل طاعته وأهل معصيته، فأخذ حِذره، وتأهَّب للقاء ربه، واستقصرَ مدة هذه الحياة الدنيا في جنب الحياة الباقية الدائمة ــ نقلَه (١) إلى الطاعات المفضولة الصغيرة الثواب ليَشْغَلَه (٢) بها عن الطاعات الفاضلة الكبيرة الثواب، فيعمل حيلتَه في تركه كل طاعة كبيرة إلى ما هو دونها، فيعمل حيلته في تفويت الفضيلة عليه.

فإن أعجزتْهم هذه الحيلة ــ وهيهات ــ لم يَبْقَ لهم إلا حيلة واحدة، وهي تسليط أهل الباطل والبدع والظلمة عليه يؤذونه، وينفِّرون الناس عنه، ويمنعونهم من الاقتداء به؛ ليفوِّتوا عليه مصلحةَ الدعوة إلى الله ومصلحة الإجابة.

فهذه مجامع أنواع حيل الشيطان، ولا يُحصِي أفرادَها إلا الله، ومن له مُسكةٌ من العقل يعرف الحيلة التي تمَّت عليه من هذه الحيل، فإن كانت له همة إلى التخلُّص منها، وإلا فيسأل من تمَّتْ عليه، والله المستعان.


(١) كذا في النسختين بصيغة الإفراد. وفي المطبوع: «نقلوه».
(٢) في المطبوع: «ليشغلوه».