للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضارب به فقد صار المال أمانةً وبرئ منه؛ وكذلك إذا اشترى به شيئًا أو تصدَّق به.

والقول الثاني: أنه يجوز، وهو الراجح في الدليل، وليس في الأدلة الشرعية ما يمنع من جواز ذلك، ولا يقتضي تجويزه مخالفةَ قاعدةٍ من قواعد الشرع، ولا وقوعًا في محظور من ربا ولا قِمار ولا بيعِ غرر، ولا مفسدةَ في ذلك بوجهٍ ما؛ فلا يليق بمحاسن الشريعة المنعُ منه، وتجويزه من محاسنها ومقتضاها.

وقولهم: «إنه يتضمن إبراء الإنسان لنفسه بفعل نفسه» كلام فيه إجمال يوهم أنه هو المستقلُّ بإبراء نفسه، وبالفعل الذي به يبرأ، وهذا إيهام؛ فإنه إنما برِئَ بما أذن له ربُّ الدين من مباشرة الفعل الذي تضمن (١) براءته من الدين، فأيُّ محذورٍ في أن يفعل فعلًا أذن له فيه رب الدين، ومستحقه يتضمن براءته؟ وكيف يُنكَر أن يقع في الأحكام الضمنية التبعية (٢) ما لا يقع مثله في المتبوعات (٣)، ونظائر ذلك أكثر من أن تُذكر؟ حتى لو وكّله أو أذن له أن يُبرِئ نفسه من الدين جاز وملك ذلك، كما لو وكّل المرأةَ أن تطلِّق نفسها؛ فأيُّ فرق بين أن يقول طلِّقي نفسك إن شئت، أو يقول لغريمه: أبرِئْ نفسَك إن شئت؟ وقد قالوا: لو أذن لعبده في التكفير بالمال ملك ذلك على الصحيح، فلو أذن له في الإعتاق ملَكَه، فلو أعتق نفسَه صح على أحد القولين، والقول الآخر لا يصح لمانع آخر، وهو أن الولاء للمُعتِق،


(١) ك: «يتضمن».
(٢) في النسختين: «النفعية». والمثبت من النسخ المطبوعة.
(٣) ز: «المبيوعات»، تصحيف.