للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال سَحنون بن سعيد: أجسَرُ الناس على الفتيا أقلُّهم علمًا، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم، يظنُّ أنَّ الحقَّ كلَّه فيه (١).

قلت: الجرأة على الفتيا تكون من قلّة العلم ومن غزارته وسعته. فإذا قلَّ علمُه أفتى عن كلِّ ما يُسأل عنه بغير علم، وإذا اتسع علمه اتسعت فتياه. ولهذا كان ابنُ عباس من أوسع الصحابة فُتيا، وقد تقدَّم (٢) أنَّ فتاواه جُمِعت عشرين سِفْرًا (٣). وكان سعيد بن المسيِّب أيضًا واسع الفتيا، وكانوا يسمُّونه "الجريء" كما ذكر ابن وهب عن محمد بن سليمان المرادي عن أبي إسحاق قال: كنتُ أرى الرجلَ في ذلك الزمان وإنّه لَيدخلُ يَسأل عن الشيء، فيدفعه الناس عن مجلس إلى مجلس، حتَّى يُدفَع إلى مجلس سعيد بن المسيِّب، كراهيةً للفتيا (٤)، قال: وكانوا يدعون سعيد بن المسيِّب "الجريء" (٥).

وقال سَحنون: إنِّي لأحفظ [١٨/ب] مسائل، منها ما فيه ثمانية أقوال من ثمانية أئمة من العلماء، فكيف ينبغي أن أَعجَل بالجواب حتَّى أتخيَّر (٦)؟


(١) رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (٢٢١١).
(٢) في أول الكتاب (١/ ٢٠).
(٣) في النسخ المطبوعة: "في عشرين سفرًا" ولعل زيادة "في" من تصرُّف الناشرين.
(٤) ت: "كراهية الفتيا".
(٥) رواه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (١٩٧١ - السفر الثالث)، ومن طريقه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (٢٢٠٥)،.
(٦) في حاشية ح: "لعله: أتبحر". قلت: بل الصواب ما جاء في النسخة. وفي النسخ المطبوعة: "قبل الخبر"، وهو تحريف.