للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعض أئمة الحديث وقد ذُكر له السواد الأعظم، فقال: تدري مَن السواد الأعظم؟ هو محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه (١).

فمسخ المتخلفون (٢) الذين جعلوا السواد الأعظم والحجة والجماعة هم الجمهور، وجعلوهم (٣) عِيارًا على السنة، وجعلوا السنة بدعةً، والمعروف منكرًا، لقلة أهله وتفرُّدهم في الأعصار والأمصار، وقالوا: من شذَّ شذَّ الله به في النار. وما عرف المتخلفون أن الشاذَّ ما خالف الحق وإن كان عليه الناس كلهم إلا واحدًا منهم فهم الشاذُّون.

وقد شذَّ الناس كلهم زمنَ أحمد بن حنبل إلا نفرًا يسيرًا (٤)؛ فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذٍ والمفتون والخليفة وأتباعه (٥) كلهم هم الشاذُّون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة. ولما لم يَحْمِل هذا عقول الناس قالوا للخليفة: يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقضاتك ووُلاتك والفقهاء والمفتون كلهم على الباطل وأحمد وحدَه على الحق؟ فلم يتَّسع علمه لذلك؛ فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل. فلا إله إلا الله، ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة! وهي السبيل المَهْيَع لأهل السنة والجماعة حتى يَلْقَوا ربَّهم، مضى عليها سلفهم، وينتظرها خلفهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا


(١) انظر: «حلية الأولياء» (٩/ ٢٣٩) و «السير» (١٢/ ١٩٧). والقائل إسحاق بن راهويه.
(٢) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «المختلفون».
(٣) ك: «وجعلهم».
(٤) ز: «نفر يسير».
(٥) ز: «تباعه». وهو جمع تابعٍ على وزن فُعَّال. والأَتباع جمع تَبَع.