للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحجة الثانية: أن الكفالة تَوثِقةٌ وحفظٌ للحق، فهي جارية مجرى الرهن، ولكن ذاك رهن عينٍ، وهي رهن ذمةٍ، أقامها الشارع مقامَ رهنِ الأعيان للحاجة إليها واستدعاء المصلحة لها، والرهن لا يُستوفى منه إلا مع تعذُّر الاستيفاء من الراهن، فكذا الضَّمين. ولهذا كثيرًا ما يقترن الرهن والضمين لتَواخِيهما وتَشابُههما وحصولِ الاستيثاق بكل منهما.

الحجة الثالثة: أن الضامن في الأصل لم يُوضع لتعدد محلِّ الحق كما لم يوضع لنقله، وإنما وُضع ليحفظ صاحب الحق حقه من التَّوَى والهلاك، ويكون له محلٌّ يرجع إليه عند تعذُّر الاستيفاء من محله الأصلي (١)، ولم يَنصِب الضامنُ نفسَه لأن يطالبه المضمونَ له مع وجود الأصيل ويَسْرَتِه والتمكُّن من مطالبته. والناس يستقبحون هذا، ويعدُّون فاعلَه متعديًا، ولا يعذرونه بالمطالبة، حتى إذا تعذَّر عليه مطالبة الأصيل عذروه بمطالبة الضامن وكانوا عونًا له عليه. وهذا أمرٌ مستقر في فِطر الناس ومعاملاتهم، بحيث لو طالب الضامن والمضمون عنه إلى جانبه والدراهم في كُمِّه (٢) وهو متمكِّن من (٣) مطالبته لاستقبحوا ذلك غايةَ الاستقباح.

وهذا القول في [١٣٢/ب] القوة كما ترى، وهو رواية ابن القاسم في الكتاب (٤) عن مالك. ولا ينافي هذا قولَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الزعيم غارمٌ» (٥) فإنه لا


(١) ك، ب: «الأصل».
(٢) ك: «كم».
(٣) ك: «في».
(٤) أي «المدونة» (٥/ ٢٦٢).
(٥) رواه أحمد (٢٢٢٩٤) وأبو داود (٣٥٦٥) والترمذي (١٢٦٥) وابن ماجه (٢٣٩٨) من طريق شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أمامة الباهلي، وإسناده صحيح. حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (٣١٩) والبوصيري في «مصباح الزجاجة» (٢/ ٤٢). وانظر: «السلسلة الصحيحة» (٦١٠).