للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالثابت عن الصحابة الذي لا يُعلم عنهم فيه نزاعٌ جوازُه، كما ذكره البخاري في «صحيحه» (١) عن عمر أنه دفع أرضه إلى من يزرعها وقال: إن جاء عمر بالبَذْر من عنده فله كذا، وإن جاءوا بالبَذْر فلهم كذا. ولم يخالفه صحابي واحد، ولا محذورَ في ذلك ولا خطَرَ ولا غررَ، ولا أكلَ مالٍ [١٣٣/أ] بالباطل، ولا جهالةَ تعود إلى العمل ولا إلى العوض، فإنه لا يقع إلا معينًا، والخِيَرة إلى الأجير؛ أيَّ ذلك أحبَّ أن يستوفي فعلَ، فهو كما لو قال له: أيَّ ثوبٍ أخذتَه من هذه الثياب فثمنُه (٢) كذا، أو أيَّ دابةٍ ركبتَها فأجرتُها كذا، أو أجرةُ هذه الفرس كذا (٣) وأجرة هذا الحمار كذا، فأيَّهما شئتَ فخُذْه، أو ثمنُ هذا الثوب مائة وثمنُ هذا مائتان، ونحو ذلك مما ليس فيه غررٌ ولا جهالة ولا ربا ولا ظلم، فكيف تأتي الشريعة بتحريمه؟ وعلى هذا فلا يُحتاج إلى حيلة على فعله.

وكثير من المتأخرين من أتباع الأئمة يُبطِل هذا العقد، فالحيلة على جوازه أن يقول: استأجرتُك لتَخِيْطَه اليومَ بدرهم، فإن خِطته غدًا فلك أجرةُ مثله نصف درهم. وكذا يقول: آجرتُك هذه الدابةَ إلى أرض كذا بعشرة، فإن ركبتَها إلى أرض كذا وكذا فعليك أجرةُ مثلها كذا وكذا. فإن خاف أن يكون يده يدَ عدوانٍ ضامنة فليقل: فإذا انقضت المسافة الأولى فهي أمانة عندك. هذا عند من لم يصحح الإجارة المضافة، ومن صحّحها فالحيلة عنده أن يقول: فإذا قطعتَ هذه المسافة فقد آجرتُكها إلى مسافة كذا وكذا، فإذا


(١) (٥/ ١٠ - مع الفتح).
(٢) ك، ب: «قيمته».
(٣) «فأجرتها ... الفرس كذا» ساقطة من ك.