البيع تلاحقُ المبيع شيئًا بعد شيء، كما لم يمنع ذلك صحةَ بيع التُّوت والتِّين وسائرِ ما يخرج شيئًا بعد شيء. هذا محض القياس، وعليه تقوم مصالح بني آدم، ولا بدّ [١٣٣/ب] لهم منه. ومن منع بيعَ ذلك إلا لقطةً لقطةً فمع أن ذلك متعذِّر في الغالب لا سبيلَ إليه، أو هو في غاية الحرج والعسر، فهو مجهول لا ينضبط، ولا ما هي اللقطة المبيعة أهي الكبار والصغار والمتوسط أو بعض ذلك؟ وتكون المَقْثَأَة كبيرةً جدًّا لا يمكن أخذُ اللقطة الواحدة إلا في أيام متعددة، فيحدث كل يوم لقطةٌ أخرى تختلط بالمبيع ولا يمكن تمييزها منه، ولا سبيلَ إلى الاحتراز من ذلك إلا أن يجمع دوابَّ المصرِ كلها في يوم واحد، ومَن أمكَنه من القطَّافين، ثم يقطع الجميع في يوم واحد ويعرِّضه للتلف والضياع. وحاشا أكمل الشرائع ــ بل غيرها من الشرائع ــ أن تأتي بمثل هذا. وإنما هذا من الأغلاط الواقعة بالاجتهاد، وأين حرَّم الله ورسوله على الأمة ما هم أحوجُ الناس إليه ثم أباح لهم نظيره؟ فإن كان هذا غررًا فبيع الثمار المتلاحقة الأجزاء غررٌ، وإن لم يكن ذلك غررًا فهذا مثله.
والصواب أن كليهما ليس غررًا لغةً ولا عرفًا ولا شرعًا؛ ودعوى أن ذلك غررٌ دعوى بلا برهان، فإن ادَّعى ذلك على اللغة طُولب بالنقل، ولن يجد إليه سبيلًا، وإن ادَّعى ذلك على العرف فالعرف شاهدٌ بخلافه، وأهل العرف لا يعدُّون ذلك غررًا، وإن ادَّعاه على الشرع طُولب بالدليل الشرعي.
فإن بُلِي بمن يقول:«هكذا في الكتاب، وهكذا قالوا» فالحيلة في الجواز أن يشتري ذلك بعُروقِه، فإذا استوفى ثمرته تصرَّف في العروق بما يريد. والمانعون يجوِّزون هذه الحيلة. ومن المعلوم أن العروق غير مقصودة، وإنما المقصود الثمرة، فإن امتنع البيع لأجل الغرر فالغرر لم يزل