للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الطلاق، قال أحمد في رواية حنبل: وحديث عائشة - رضي الله عنها - سمعت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا طلاقَ ولا عتاقَ في إغْلاقٍ» (١) يعني الغضب. وبذلك فسَّره أبو داود في «سننه» (٢) عقيبَ ذكره الحديث، فقال: والغلاق أظنُّه في الغضب.

وقسَّم شيخ الإسلام ابن تيمية الغضب إلى ثلاثة أقسام (٣):

قسم يُزيل العقل كالسكر، فهذا لا يقع معه طلاق بلا ريب.

وقسم يكون في مبادئه بحيث لا يمنعه من تصوُّر ما يقول وقصْدِه، فهذا يقع معه الطلاق.

وقسم يشتدُّ بصاحبه، ولا يبلغ به زوال عقله، بل يمنعه من التثبُّت والتروِّي ويُخرِجه عن حال اعتداله، فهذا محلُّ اجتهاد.

والتحقيق أن الغَلَق يتناول كلَّ من انغلق عليه طريقُ قصْدِه وتصوُّره، كالسكران والمجنون والمُبَرْسَم والمُكْرَه والغضبان، فحال هؤلاء كلهم حال إغلاق، والطلاق إنما يكون عن وَطَرٍ؛ فيكون عن قصدٍ من المطلِّق وتصوُّرٍ لما يقصده، فإن تخلَّف أحدهما لم يقع طلاقه. وقد نصَّ مالك والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه فيمن قال لامرأته: «أنتِ طالق ثلاثًا» ثم قال: أردتُ أن أقول: إن كلَّمتِ فلانًا، أو خرجتِ من بيتي بغير إذني، ثم


(١) تقدم تخريجه.
(٢) رقم (٢١٩٣).
(٣) نحوه في «زاد المعاد» (٥/ ١٩٦) و «إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان» (ص ٢٠ - ٢١).