للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلبه ومعرفته، أو لا. فإن لم يكن عالمًا بالحقِّ فيها ولا غلب على ظنِّه لم يحِلَّ له أن يفتي، ولا يقضي بما لا يعلم. ومتى أقدم على ذلك فقد تعرَّض لعقوبة الله، ودخل تحت قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣]، فجعل القولَ عليه بلا علمٍ أعظمَ المحرَّمات الأربع التي لا تباح بحال، ولهذا حصر التحريم فيها بصيغة الحصر. ودخل تحت قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٦٨ - ١٦٩]. ودخل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أُفتِيَ بغير علمٍ فإنما إثمُه على من أفتاه» (١)، وكان أحد القضاة الثلاثة الذين ثلثاهم في النار.

وإن كان قد عرف الحقَّ في المسألة علمًا أو ظنًّا غالبًا لم يحِلَّ له أن يفتي ولا يقضي بغيره بالإجماع المعلوم بالضرورة من دين الإسلام. وهو أحد القضاة الثلاثة، والمفتين الثلاثة، والشهود الثلاثة. وإذا كان من أفتى أو حكَم أو شهِد بغير علم مرتكبًا لأعظم الكبائر، فكيف بمن (٢) أفتى أو حكم أو شهد بما يعلم خلافه؟

فالحاكم والمفتي والشاهد كلٌّ منهم مخبِرٌ عن حكم الله. فالحاكم مخبِر منفِّذ، والمفتي مخبر غير منفِّذ، والشاهد مخبر عن الحكم الكوني القدري المطابق للحكم الديني الأمري. فمن أخبر منهم عما يعلم خلافه


(١) تقدم تخريجه في أول الكتاب.
(٢) في النسخ المطبوعة: «من».